السنة الماضية راهنت صديقين من زملاء العمل على أن بشار الأسد لن يسقط قبل الصيف أو خلاله. اليوم نحن وسط صيف ثانٍ ولا أراهن أحداً، فالنظام السوري اختار طريق الانتحار السياسي، وارتكب مجازر وأخطاء وخطايا لا يمكن تبريرها، ولا يزال يفعل، فأصبحت أقرأ عن «بداية النهاية» أو «النهاية قريبة» وهذه عبارة تُستعمل في الأصل عن قرب نهاية العالم، بل إن واشنطن تستعد لفترة «ما بعد بشّار». الشعب السوري وحده يقرر هل يبقى النظام أو يذهب، وقد بات واضحاً أن غالبية كبيرة من هذا الشعب تعارض النظام، ومستعدة للاستشهاد في سبيل التغيير. الشعب السوري وحده يقرر، أما الدول الغربية فلا تفعل بالكذب والرياء والنفاق المفضوح سوى إرباك الوضع وتأخير النهاية، وقد رأينا نموذجاً من التمثيل السيء في مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي. أريد أن يكون واضحاً تماماً أنني أؤيد مشروع القرار الذي كان سيهدد النظام السوري بعقوبات مع استمرار آلة القتل، ولكن منع إقراره الفيتو الروسي والصيني. بعد فشل القرار تحدث سفراء الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، فكانت السفيرة الأميركية سوزان رايس أكثرهم موضوعية، ربما لأنها من اللون السياسي للرئيس باراك أوباما، وهي رفضت الادعاءات الكاذبة عن أن القرار كان سيفتح الطريق أمام تدخل عسكري أجنبي. غير أن السفير البريطاني مارك ليال غرانت، صُدِمَ أو فُجِعَ بالفيتو، وقال مثله رئيسه الوزير ألكسندر هيغ وزاد أن موسكو وبكين أدارتا الظهر للشعب السوري في أحلك ساعة له. أقول إنهما فعلتا إلا أنني لا أذكر أن هيغ انتصر لأي قضية عربية، بمن في ذلك ألوف الأسرى الفلسطينيين، وبينهم نساء وأطفال، في سجون إسرائيل، فمواقفه من نوع سياسة المحافظين الجدد الأميركيين. ولم يكن السفير الفرنسي جيرار ارو أفضل فهو قال إن من الواضح أن روسيا تهدف فقط إلى إعطاء النظام السوري مزيداً من الوقت لسحق المعارضة، وإن رفض إعطاء المبعوث الدولي كوفي أنان وسائل الضغط يعني تهديد مهمته. أريد أن أسأل وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية لماذا تدخَّل بلداهما وحلفاء الناتو كله ضد النظام الليبي، واكتفى في سورية بفرك الأيدي وإبداء الصدمة والحسرة؟ أو هل أحتاج أن أسأل وليبيا تملك نفطاً هو سبب التدخل لا أي مصلحة للشعب الليبي. رغم تخاذل الغرب وعجز العرب عن نصرة السوريين بشكل يحسم نتيجة المواجهة، يبدو أن ثمة إجماعاً على أن النظام السوري استنفد الوسائل الأمنية المتاحة له وأصبح احتمال رحيله أقوى كثيراً من احتمال بقائه، مع أنني أسمع من خبراء يعرفون الموضوع أن قرب النهاية مجرد تمنيات من خصوم النظام. هناك كل يوم تصعيد ووصلنا إلى قصف مدن سورية بطائرات حربية سورية. لاحظت مع الحديث عن بداية النهاية أن أنصار النظام السوري يحذرون من حرب أو حروب تجتاح الشرق الأوسط إذا سقط النظام. وكتبت غير مرة أن الدول المجاورة كلها ستتأثر إلا أنني لا أجزم بحروب بل أرى إثارة احتمالها مجرد محاولة لتخويف الدول العربية والغربية من البديل. البديل سيكون أن يحكم السنّة البلاد فهم 75 في المئة من السوريين، أي أنهم غالبية مطلقة ومن حقهم الحكم. هنا يبرز تخويف آخر من الإخوان المسلمين في المعارضة السورية، وموقفهم من إسرائيل إذا وصلوا إلى الحكم أو شاركوا فيه. رأيي الشخصي، ومن حق القارئ أن يرفضه، هو أنني لا أريد أن يحكم أي حزب ديني أي بلد عربي، ولكن عزائي في فوز الإخوان المسلمين في مصر، وربما صعودهم في سورية غداً، أنهم يعارضون إسرائيل بشدة، ولن يبيعوا مبادئهم مقابل أي إغراء. على كل حال، إذا لم ينفع التخويف من حرب أو حروب قادمة، ومن الإخوان المسلمين في حكم سورية، فهناك الأسلحة الكيماوية السورية. وفي حين أن لا أحد يقول إن النظام سيستعملها سوى ما قرأت في بيان لوزارة الخارجية البريطانية، فالتخويف هنا من وصول هذه الأسلحة إلى جماعات إرهابية مثل حزب الله أو القاعدة. أقول إن القاعدة إرهابية مجرمة، أما حزب الله فحركة تحرر وطني ضد إرهاب إسرائيل. والحكومة السورية أعلنت أن الأسلحة الكيماوية لن تُستخدم داخل البلاد، وإنما في حرب خارجية فقط. كنت دنت قتل الناس من أول يوم وحتى اليوم، إلا أنني كنت في الأشهر الأولى أعتقد أن النظام سيجد مخرجاً غير الحل الأمني الفاشل في كل شيء سوى قتل الناس، وما حدث أن الإصرار على القتل أغلق المخارج واحداً بعد الآخر، فلم يبقَ سوى التغيير. [email protected]