الثورة السورية باعتبارها حلقة في سلسلة ثورات الربيع العربي تشترك معه في عدد من العوامل و تتمايز عنه في أخرى ، القاسم المشترك الأكبر في الثورات العربية هو تضييع الأنظمة الحاكمة التي ثارت ضدها الشعوب لمصالح مواطنيها السياسية الداخلية و الخارجية و المعيشية و عجزها عن توفير الحياة الكريمة مادياً و معنوياً و إفلاسها الحضاري في مجابهة التحديات العصرية بسبب الاستبداد السياسي و الإقصاء لكل قوي أمين من أبناء تلك البلدان و بسبب استشراء الفساد الذي نخر هيكل الدول المعنية من قمة الهرم و حتى قاعدته . و عامل مشترك آخر هو أن كل الثورات العربية التي انطلقت العام الماضي 2011م بدأت سلمية و استمرت في سلميتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً إلى أن أجبر بعضها النظام الذي أخذ يقتل أبناء شعبه العزل كما في الحالة الليبية إلى حمل السلاح و الدخول في ما يشبه الحرب الأهلية. مما يؤخذ على الأنظمة الفاسدة التي ثار ضدها شعوبها كان استقواءها بالعالم الخارجي ضد الشعوب بتخويف ذلك العالم الخارجي ببعبع الإسلاميين و تمكنهم من سدة الحكم و ما قد يعنيه ذلك عالمياً ، و بالحرص على مصالح إسرائيل تارة أخرى كما فعل العقيد القذافي. أحد التناقضات التي كان يعتقد بداية ً أنها كانت تميز الثورة السورية هي الظن الساذج الذي ساد في بداية الثورة السورية لدى البعض بأن رأس النظام السوري الرئيس بشار الأسد الذي كان يعرف عنه أنه «إصلاحي» النزعة رجل معقول نسبياً لدرجة أن أحد رموز الدعوة الإسلامية في العالم العربي قال إن مشكلته ليست في شخصه بل في طائفته التي تقف من ورائه ، و أن بشار الأسد المثقف الواعي و طبيب العيون يختلف عن المجرم الأثيم سفاك الدم الهالك معمر القذافي. لكن سرعان ما ولت تلك الأيام و تبخرت ظنونها و خيالاتها غير الواقعية و أثبت بشار الأسد أنه معمر ثان ٍ و أنه كمعمر الذي استقوى بإسرائيل و المرتزقة يستقوي بالصين و روسيا و إيران ، و أنه كمعمر «سيقاتل» لآخر رمق و أنه سيطارد أبناء شعبه و يقتلهم أطفالاً و نساءً و رجالاً شيباً و شباباً مدينةً مدينة و بيتاً بيتاً و شارعاً شارعاً و زنقة زنقة ، و إن كانت زنقات معمر في سرت و الزنتان و الزاوية و الُكفرة ... الخ فزنقات بشار في حارة بابا عمرو بحمص و في حماة و في درعا و في دمشق و حلب و أدلب ... الخ. . إحدى نقاط التباين بين مسار الثورة السورية و سابقتها الليبية هو الإجماع الذي تم التوصل إليه بإنشاء منطقة محظورة الطيران في الحالة الليبية مما أعطى الثوار الفرصة المتكافئة نسبياً في قتال كتائب القذافي بينما من الواضح أن تكرار ذاك السيناريو يبدو بعيد المنال لعدد من الأسباب أهمها الفيتو الروسي – الصيني المزدوج ، و منها إعلان حلف الأطلسي عن تردده في توفير مثل ذلك الغطاء الجوي بسبب حساسية المنطقة نظراً للصراع العربي الإسرائيلي مما قد يخرج عن السيطرة إلى حرب عالمية ثالثة يقدح شرارتها التدخل العالمي في حرب سورية داخلية ، و هي مخاوف واقعية يخشاها الجميع. و بناءً على كل تلك السيناريوهات المعقدة إضافة إلى تعقيدات التركيبة السكانية السورية التي هي في حقيقتها امتداد لذات التعقيدات للتركيبات السكانية الإقليمية لدول الجوار فليس أمام الثورة السورية إلا أن تتحول تدريجياً إلى العسكرة ، أو جزء منها ، كما هو حاصل في ما أصبح يعرف بالجيش السوري الحر المنشق على الجيش السوري ، لكن ذلك الجيش الحر يعوزه السلاح ، و الذي لا مناص من تسليحه و لا مناص من أن يكون ذلك التسليح نوعياً و سريعاً دون تلكؤ و لا التذرع بمخاوف وقوع تلك الأسلحة المتطورة في أيدي الإسلاميين إن أراد العالم أن تتمكن الثورة السورية من مقارعة الحديد و النار بالحديد و النار و أن تتطهر بلاد الشام من نظام الأسد و حزب البعث الدكتاتوري البغيض و من التحالف الإيراني السوري الطائفي في المنطقة. و الله أسأل أن يحفظ الشعب السوري المسلم الشقيق و أن يجنب سوريا الإنزلاق إلى دوامة حرب أهلية لا ينتفع منها سوى إسرائيل و من وراءها من الأعداء. و ليتني أكون مخطئأً فيميل من هم في سدة الحكم في سوريا إلى ما يشبه النموذج اليمني لحقن الدماء ، لكن ذاك يبدو محالاً إذ أن منطلقاتهم هي المصالح الشخصية الضيقة و لن يتركوها إلا مكرهين ، و ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ) [email protected]