ليس من الوارد إنهاء دول الخليج العربي جميع الاختلافات في ما بينها، لأن الاختلاف في وجهات النظر شيء لا بد منه. ولا هي في الوقت نفسه متفقة على إنهاء جميع الملفات المتفق على أهميتها، كحق التنقل للمواطنين الخليجيين بالبطاقة الوطنية، ولا حتى في وحدة العملة النقدية. بيد أن الخطر الذي أصبح يهدد الوحدة الخليجية حقيقة التفاوت الشديد حول تحديد ما هو سياسات داخلية أو استقلال بالقرار السياسي، وما هو سياسة تعد خطراً على الأشقاء وعلى دول المجلس. وبين هذا وذاك أضحت التناقضات الظاهرة والخفية مطروحة على طاولة عودة المياه إلى مجاريها بين دول المجلس، بعد أزمة سحب السفراء الأخيرة، ففي الوقت الذي تشير فيه الأصابع إلى قطر بتهمة العلاقات مع إيران، يقرر أكاديمي سعودي وأستاذ علوم سياسية أن العلاقات بين الإماراتوإيران هي الأخرى لا تقل متانة عنها إن لم تكن أقوى، وفي حين يعد موقف قطر من «الإخوان» و«حماس» إشكالاً مفصلياً في عودة المياه إلى مجاريها بين الأشقاء الخليجيين، فإن ثمة من يقول إن «الإخوان» يشكلون طيفاً سياسياً قوياً معترفاً به في الكويت، فلماذا لا يتم حظر «الإخوان» في الكويت أولاً، قبل أن تُطالب قطر بذلك؟ يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالخالق عبدالحي «أن حجم العلاقات بين إيرانوالإمارات أكبر كثيراً من حجم العلاقات بين إيرانوقطر، وهذه جغرافيا سياسية، وإيران قوة موجودة، وليست مثل إسرائيل، فيجب التفاهم معها لحفظ مصالح كل الأطراف». لكن عبدالحي لا يبدي التسامح نفسه مع ملف «الإخوان»، ويشدد على أنه ما دام نهج «الإخوان» يمثل هذه الخطورة، وما دام لديهم مشروع «أوروأميركي» للسيطرة على العالم العربي وتونس وليبيا، وأفلتت منهم مصر بفضل تحالف السعودية معها، الذي كان ذكياً وصائباً، وبالتالي دول الخليج في دائرة الخطر، ولا يمكن أن تسمح لدولة خليجية مثل قطر أن تكون ضمن المجلس، وتحتضن عناصر «الإخوان». وحول الاعتراض بأن ل«الإخوان» وجوداً وحضوراً قوياً في الكويت، يجيب عبدالحي: «إذا كانوا في قطر لا يرون الخطر فهذا شأنهم، إذا كانت قطر تدعم الفكر الإخواني فهذا يرجع إليها، لكن لا يعقل أن تستشعر أربع دول خليجية هذا الخطر وتكون قطر هي التي على الصواب، لدينا استشعار 70 في المئة أن الإخوان خطر على الأنظمة السياسية، فإذا كانت قطر لا تشعر بذلك فهذه مشكلتها، وليست مشكلة بقية الخليج». وتابع: «أما عن وضع الإخوان في الكويت، فهي دولة ذات طبيعة ديموقراطية، وحتى لو شاركوا في الانتخابات فهناك قواعد، لأن الدولة إمارة، وليست جمهورية، وكذلك الشأن في الأردن، التي لم تحظر الإخوان لأنها لم ترَ حتى الآن أنهم خطر دائم عليها، لكن إذا كان هذا التنظيم يمثل خطراً على إحدى الدول، كما حصل في الإمارات، فقد أصبح الخطر خليجياً، ولهذا سبقت الدولة في الإمارات إلى ملاحقتهم واعتقالهم». وبالعودة إلى الملف الإيراني والخلاف الخليجي حول حماس، وتناقضات العلاقات القطريةالإيرانية مع إعلانها وقوفها في الوقت نفسه مع الشعب السوري، وفي موضوع تردد الخليج بين الموقف ضد «الإخوان» والموقف من مقاومة حماس، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود: «يبدو لي أنه في النهاية في العلاقات الدولية وصلت أميركا إلى حالة تفاهم، أما في موضوع حماس فالمشكلة أنه حتى الإخوان المصريين بدؤوا يميزون بين حماس السياسة وحماس المقاومة، والشعب الفلسطيني ليس كله حماس، وعداؤنا ليس مع حماس، التي يفترض بها أن لا تنتمي إلى الإخوان، وأن تركز على تحرير فلسطين، ولا تتدخل في الشؤون القطرية ولا أي شؤون أخرى». ونبه عبدالحي إلى أن قطر بوصفها دولة صغيرة، مشكلتها أنها تتجاذبها قوى دولية كالأميركان، ووجود قاعدة العديد والتأثير الأميركية على قطر فيه عنصر مهم وأساسي، وعلى قطر دور معين يناط بها أن تقوم به، لكن يبدو لي أن الأوراق اختلطت كلها بعد اتخاذ مجلس الأمن قرار الفصل السابع لمحاربة داعش والتكفيريين، الذي أعتقد أن الإخوان سيتم إلحاقهم به ما لم يعدلوا مسارهم». وتابع: «الأمر الذي يجب أن نحذر منه في تناقضات قطر أو غيرها في الخليج هو أن أميركا تلعب على التناقضات، ولا تدعم أحداً، وانظر ما فعلت أميركا مع داعش، لما وصلوا إلى كردستان، في مقابل سكوتها عن حركتهم في المناطق الأخرى، والسبب أن منطقة كردستان تدخل في نواياهم تقسيم العراق، وهم يدخلون مرحلة سايكس بيكو جديدة، وليست المرحلة إبدال نظام أو تغيير نظام، مع الإبقاء على النسيج والتركيبة الاجتماعية والثقافية، فالأمر أبعد من ذلك، ولذلك نتمنى أن يحصل تفاهم بين دول الخليج مع إيران لمكافحة هذا الخطر المقبل، فهو أخطر من إيبولا».