المثالية هي أعلى درجات الكمال التي تهفو إليها الروح المنغمسة في إشباع الذات، ونسيمها يدغدغ الجسد الذي أمعن في التجمل المصطنع. نصبو كلنا إلى تحقيق الكمال في حياتنا، حتى في ابتسامتنا نشدو المثالية كي نتملك محيطنا شعورياً تلبية لدوافع ناقصة في ذاتنا الإنسانية، وما الكمال إلا لله. إن مسرح المثالية في اليمن شيده الساسة بكل خبث وإتقان ما أجبر الشعب على الفرجة ودفع حياة أبنائه كتذاكر للدخول وتحمل معاناة المشاهدة وألم الضحك اللامبالي. سألت صديقاً ذات يوم: « لقد أبهرني الناشط والسياسي الفلاني ورسمت له في خيالي صورة تطابق تماماً صورة الحقوقي الأميركي من أصل أفريقي مارتن لوثر كنغ - وحاشا لله أن يكون نفسه كاملاً- لكن صدمت عندما قرأت عن نقطة سوداء في تاريخه «. فأجابني صديقي: « لقد رسمتي تلك الصورة لأنك ساذجة ولا تفقهين في السياسة شيئاً». واستطرد قائلاً :» يا عزيزتي السياسة هي فن الواقع». جلست أفكر ملياً فيما قاله وأدركت أن في حديثة شيئاً من الحقيقة، وتذكرت عبارة أخرى موازية لسابقتها فحواها أن السياسة هي فن النفاق. ومن منا لم يفرض عليه ذكاؤه الاجتماعي إخفاء بعض عيوبه أو دفن قناعاته التي لا تتقبلها ثقافة المجتمع. هل نستطيع أن نلوم ساستنا لما وصلوا إليه من حرفية في التمثيل والتسويق لنجوميتهم بين شرائح المجتمع حتى إنهم غزوا شوارعنا بصورهم وشعاراتهم المنمقة والمشوهة لجمالية أجوائنا. لا يمكننا أن نلومهم وحدهم فالجمهور الذي يتفرج عليهم والذي أفسح لهم المجال ليدخلوا حتى بيوتنا من دون استئذان ويسيطروا على عقولنا لننقاد طواعية لحشو المقاعد أمام مسارحهم ومنابرهم ليستعرضوا عضلاتهم وينهشوا أرواحنا بشكل يومي هم في ذلك أشبه بظاهرة المغنيات اللواتي يعرضن أجسادهن من دون حناجر تصدح بترانيم تحترم أسماعنا وعلى رغم ذلك لهن شعبية بحجة ان «الجمهور عاوز كده» ،على قولة إخواننا المصريين . كان مستوى أداء السياسيين في بلادنا ليرتقي لو كنا نحن الجمهور سمونا بعقولنا وأذواقنا حتى نوقف حالة الخزي التي نعيش فيها. أيها السياسي اليمني : هذا هو مسرح الوطن ... امض في تمثيلك لكن لا تذهب بعيداً في الشيطنة...( رفع الستار)