على رغم التطمينات التي قادها كبار السياسيين في إقليم كردستان ومنهم برهم صالح للعرب المقيمين في الإقليم والمهجّرين إليه، إلا أن حركات شبابية تحمل شعارات عنصرية ضد العرب في الإقليم وتطالب بطردهم، ما زالت تنشط على نطاق محدود، تلاحقها السلطات الرسمية. وقال برهم صالح في دعوة نظمها لمجموعة من الأطباء والمهندسين والمثقفين ورجال الأعمال العرب والمهجّرين المقيمين في السليمانية: «إن مدن الإقليم ستبقى دائماً ملاذاً آمناً للأحرار والمهجّرين والنّازحين والهاربين من بطش السلاطين والطغاة والإرهاب». وأضاف صالح: «هذه الدعوة فرصة جديدة للتشديد على أن المقيمين العراقيين في السليمانية بين أهلهم، لأن المدينة طالما كانت منفتحة ومستوعبة المكونات المختلفة وتعدهم مصدر إثراء لها»، مشدداً على أن «إقليم كردستان كان على مدى تاريخه منطقة تعايش بين المكونات وملاذاً للأحرار والمهجرين والنازحين من بطش السلاطين والطغاة والإرهاب». وأشار صالح إلى أن «شعب كردستان لا يمكن أن ينسى أحرار العراق الذين قاتلوا معه خلال حقب الظلام والديكتاتورية»، مبيناً أن «الكرد يعرفون جيداً معنى الظلم والتهجير كونهم كانوا من قبل ضحايا مثل هذه الممارسات التعسفية والهمجية». وأوضح صالح أن «المقيمين في كردستان من مناطق العراق الأخرى، لا ينبغي أن يشعروا بالغربة كونهم بين أهلهم وناسهم، لا سيما أنهم يساهمون بدور مهم في نهضة الإقليم واستقراره». وتابع نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الجمهورية السابق، جلال طالباني: «إقليم كردستان حريص على أن يكون الركيزة الأساسية في استقرار العراق والارتقاء بواقعه»، مشيراً إلى أن «الإقليم يواجه اليوم خطراً كبيراً يتمثل بالإرهاب الذي لا يهدده لوحده، إنما يهدد العراق بمكوناته». وكانت مدن الإقليم شهدت تظاهرات محدودة للمجموعات الشبابية الكردية التي تنكل بالعرب المقيمين في الإقليم واجهتها حكومة الإقليم بحزم، وأعلنت عقوبات تصل إلى 6 أشهر سجن لكل من يرفع شعارات عنصرية ضد العرب، لكن رغم ذلك لم يشهد الإقليم اعتداءات مباشرة ضد العرب فيه إلا على نطاق محدود، فيما حاولت الفعاليات الإعلامية والسياسية الكردية تطويق هذه الظاهرة، ونددت وسائل الإعلام الكردية بها، ووصفتها ب «الشوفينية». يقول الكاتب الكردي عارف قرباني ل «الحياة»: «إن هناك بعض المشاكل في بعض مناطق كردستان فبعض مجاميع الشباب الكرد العنصريين نظموا احتجاجات ضد قيادة الإقليم لاستقبالها اللاجئين العرب، رداً على دعم عدد من القرى العربية «داعش» في حربه ضد الكرد، وعليه تم تنظيم مؤتمر التعايش الكردي - العربي في السليمانية، ضم أساتذة جامعات ورجال دين ومثقفين من القوميتين للتوعية وإيضاح أن «داعش» لا يمثل العرب، وأن وجود العرب في الإقليم وحتى من هم من المكونات الأخرى، نتج من ظروف قاهرة، وبمجرد زوالها سيعودون إلى مناطقهم، وهم هنا ضيوف يجب الاهتمام بهم ودعمهم إلى حين رجوعوهم». وخاطب رئيس الإقليم مسعود بارزاني العرب في الإقليم بالقول «أنتم أهلي»، وقال بارزاني مخاطباً النازحين إلى إقليم كردستان «أنتم أيها الإخوة تعيشون في بلدكم وبين إخوتكم»، هذه الظروف موقتة وستعودون إلى دياركم مرفوعي الرؤوس»، مطمئناً إياهم إلى أن حياتهم وأمنهم مصانان طالما بقوا في كردستان. كما أشار بارزاني الأسبوع الماضي خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في أربيل، إلى أنه «لن يستطيع الإرهابيون أن يخربوا العلاقة التاريخية بين العرب والكرد». ويشعر العرب الموجودون في إقليم كردستان بالقلق على مستقبلهم بعد مطالبة رئيس الإقليم مسعود البارزاني من برلمان كردستان في ال3 تموز (يوليو) إجراء الاستفتاء لتقرير مصير الكرد في العراق، وشهد العراق منذ عام 2003 وبعد سقوط النظام السابق موجات نزوح للعرب إلى إقليم كردستان، من ضمنها نزوح شخصيات وكفاءات عراقية كبيرة، كان البعض منها ينتمي إلى النظام السابق، احتضنهم الإقليم لامتلاكهم إمكانات مادية ومعنوية، وبسبب تردي الأوضاع الأمنية في العراق عام 2006. وأبدت المهندسة ريم علي التي نزحت إلى أربيل قبل ثمانية أعوام من بغداد، مخاوفها من تطور الأحداث الأخيرة في إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، بخاصة أن المواطنين الكرد في الإقليم يرغبون بالانفصال، وتساءلت ريم في حديث مع «الحياة»: «ما هو مصيري لو انفصل الكرد عن العراق؟». وأضافت: «لا أعلم إن كان بإمكاننا البقاء في الدولة الكردية بعد ذلك، ليس هناك مكان آخر نلجأ له، فباقي أجزاء العراق غير مستقر». وقال طارق جوهر، المستشار الإعلامي لرئاسة برلمان إقليم كردستان: «مع أن الوقت سابق لأوانه للتكلم عن تأسيس دولة كردية، لأن الأكراد بصدد المشاركة في العملية السياسية في العراق عبر تشكيل حكومة فاعلة في بغداد، إلا أنه إذا أعلن عن الاستقلال، فإن الأمر يتوقف على رغبة الإخوة الساكنين في إقليم كردستان، لأنهم هربوا من الظروف الأمنية من مناطقهم وبمجرد استقرار أوضاعها سيعودون إليها». وأردف: «أما الذين يرغبون في البقاء فستكون هويتهم كردستانية والقوميات تبقى كما هي، فسيكون هناك نسيج قومي متجانس، وستشرع قوانين وقرارات جديدة، وهناك معايير وقوانين دولية تنظم مواضيع كهذه مثل نزوح اللاجئين من دولة إلى دولة أخرى، وهذا الأمر يعالج في شكل دستوري». ويروي العرب الموجودون في الإقليم أنهم يعانون من مشاكل عدة منها عدم قدرتهم على تملك العقارات في الإقليم وصعوبة إيجاد فرص العمل المناسب لهم إلى جانب المعاناة من بعض أشكال التهميش في المجتمع الكردي. ويقول النازح إلى السليمانية، صالح محمد ل «الحياة»: «لجأت إلى الإقليم مع موجات النزوح الأخيرة وأعاني من الضياع والتشتت، فليس بإمكاني شراء عقار هنا لأنني عربي القومية. نحن النازحون العرب نعاني من إيجاد فرص عمل هنا سواء في الدوائر الحكومية أو العمل في القطاع الخاص، فنحن نتعرض لبعض مظاهر التهميش والعنصرية. ولا أنكر وجود الأمان والاستقرار وأناس طيبين يساعدوننا». وحول آلية توفير فرص العمل للعرب في الإقليم، قال محمد قادر هاودياني، وزير العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم كردستان، ل «الحياة» إن «هذا كلام غير صحيح، فللعرب فرص مكافئة للكرد والجميع يقدم للوظيفة على أنه عراقي الجنسية والدليل أنّ هناك موظفين عرباً في المؤسسات الحكومية ومنهم من وصل إلى منصب جيد في الإقليم، وهناك من جاء نقلاً من محافظة ما، أما بالنسبة إلى العنصرية والتمييز في القطاع الخاص، فهو أيضاً غير صحيح، لأن الموضوع مرتبط بالناحية الأمنية، فمن يقدم طلب العمل يجب أن يكون بحوزته الإقامة لأسباب أمنية في ظل وجود الإرهاب في العراق وهو حر في العمل في أي مجال». أما بخصوص تملك العرب العقارات في الإقليم فيقول حمزة حامد، مسؤول إعلام محافظة أربيل: «هذه الإجراءات لا تعتمد على منظور العنصرية، لكن هذه الحالة فيها رؤية سياسية وتقويم سياسي بالنسبة لإقليم كردستان، لأن الإقليم يتمتع بخصوصية قومية وجغرافية وتاريخية، فالإقليم يختلف عن باقي محافظات العراق، وهذه الإجراءات غير مخالفة للدستور، لأنها من أجل المحافظة على التوازن الديموغرافي، حيث هناك مليون ومئتا ألف نازح في الإقليم وهذا عدد كبير في مقابل عدد سكان الإقليم الذي يبلغ خمسة ملايين ونصف المليون، أي يبلغ العرب النازحون ربع سكان الإقليم».