الخطيب : السياحة قوة تحويلية للاقتصاد    السعودية تعلن استضافة اجتماع عالمي دوري للمنتدى الاقتصادي العالمي    بوتين: مستعد للتفاوض مع ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا    بدء ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا    القبض على مقيم لترويجه 1.7 كيلوغرام من الشبو في الرياض    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي رئيس البرلمان التايلندي    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    وزير الخارجية من دمشق: مستعدون لدعم نهوض سوريا    قائد الإدارة الجديدة في سوريا يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    من بلاطة متصدعة إلى أزمة بناء.. هل الكفاءة الوطنية هي الحل    القصيبي مسيرة عطاء    القيادة وجدارية المؤسسات    الوقاية الفكرية درع حصين لحماية العقول    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    ماذا يحدث في اليوم السابع من هدنة غزة؟    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    أمير الباحة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته أميراً للمنطقة    "ليلة فنانة العرب أحلام: احتفاء بالألبوم الجديد ضمن فعاليات موسم الرياض"    سدايا تمنح شهادة اعتماد لمقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي    بعد الهدوء الهش في غزة.. الضفة الغربية على حافة الانفجار    نائب أمير حائل يستعرض انجازات ومبادرات التعليم    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    قاضٍ أمريكي يوقف قرار تقييد منح الجنسية بالولادة    انطلاق ثاني جولات بطولة "دريفت 25" الدولية لقفز الحواجز في تريو الرياضي بجدة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    من التمريرات إلى الأرباح    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    أمر ملكي.. تمديد خدمة عبدالعزيز بن سعد أميراً لمنطقة حائل لمدة 4 أعوام    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    سلمان الشبيب.. من ضفاف الترجمة لصناعة النشر    الأخضر تحت 16 يفتتح معسكره الإعدادي في جدة بمشاركة "27" لاعباً    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    العمل عن بُعد في المستقبل!    الثنائية تطاردنا    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    تنبيه من الدفاع المدني: أمطار رعدية حتى الاثنين المقبل    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم التلفزيون في قبضة مهرج يرتدي زيّاً إعلامياً
نشر في الحياة يوم 28 - 07 - 2009

بعد عشر سنوات تقريباً قضاها الاعلامي محمد سعيد محفوظ أمام الكاميرا، معداً ومقدماً لأكثر البرامج التلفزيونية إثارة للجدل، قرر الابتعاد طوعاً عن الأضواء والتفرغ لدراساته العليا في مجال صناعة الأفلام في بريطانيا. وفي استراحته اللندنية أجرى محمد سعيد نقداً ذاتياً لمسيرته سينمائياً، فجاء فيلمه الأخير بعنوان «أي كلام»، الفائز بجائزة مهرجان «الجزيرة للأفلام الوثائقية» هذا العام، ليعبّر عن احتجاجه على المناخ السياسي والإعلامي في العالم العربي، ولكن بلغة رمزية، يوثق بها لحلم راوده تحت تأثير المخدر أثناء خضوعه لجراحة لإزالة ورم من رأسه، فإذا به يستعرض أخطاءه المهنية بشفافية، ويستنكر استغلال السلطة له ولزملائه، ويأسف لنظرة الجمهور للإعلام على أنه مادة للتسلية، ما دفعه لتصوير نفسه مرتدياً زي المهرج خلال تقديمه برنامجه الجاد في أحد مشاهد الفيلم!
تحت تأثير المخدر، يذهب سعيد إلى ماضيه الثري بالأحداث، يواجه نفسه بحقائق تتعلق بنظرته للمهنة، واحترام الجمهور لها، ويحاسب نفسه على ترديد معلومات غير دقيقة، ساهمت، من وجهة نظره المتشددة، في غزو الولايات المتحدة العراق، ويستخلص في النهاية أن «الصحافيين لعبة تخدم السلطة وتسلي المشاهدين».
تدور أحداث الفيلم بالكامل في عقل سعيد الذي يحقنه الطبيب بالمخدر فيستسلم لحال من الهذيان، يصرح خلالها بكل ما يدور في نفسه من أفكار وانطباعات عن حياته ونفسه وعمله. تبدأ القصة وتنتهي في غرفة العمليات، لتتحول على نحو ما إلى قاعة محاكمة، يقاضي فيها سعيد تاريخه وإنجازاته.
يستدعي سعيد أحداثاً فاصلة في حياته. ولا شك في أن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) كانت من أهمها. وفي ذلك الجزء من الفيلم، تنشطر الشاشة إلى نصفين، في أحدهما تعمّ الفوضى شوارع نيويورك بعد اصطدام الطائرتين بمركز التجارة العالمي، وفي الآخر يبدو سعيد في باريس وهو يسجل مقدمة لإحدى حلقاته التلفزيونية. وتوحي اللقطة ذات المشهدين بأن أحداثهما تجري في اللحظة ذاتها، وهو ما حدث في الواقع بالفعل، لكن انهيار البرجين يطغى، بصوته العنيف، على صوت سعيد الذي يختفي تدريجياً، ويبقى فمه يتحرك من دون أن نسمع منه كلمة واحدة، لنفهم أن ذلك الحادث، بكل تداعياته، قد هيمن على أجندة الإعلام، وألغى كل ما عداه من أولويات.
وللمفارقة، فإن برنامج «مقص الرقيب» الذي كان يقدمه سعيد في «تلفزيون ابو ظبي» ومهمته الدفاع عن الحريات، أوقف بثه في أعقاب أحداث 11 أيلول (سبتمبر).
وفي غرفة العمليات، يستعد فريق الأطباء لإجراء الجراحة، بعدما انتهى من تخدير سعيد كلياً وموضعياً، فيما يواصل سعيد حلمه العبثي ويستدعي مقاطع متفرقة من برامجه السابقة على مقطوعة موسيقية مقتبسة تحمل اسم «الوداع». وكان ذلك الجزء بمثابة استعراض زمني آخر لكنه حيّ هذه المرة، يكرس إحساسه بالمرارة نتيجة لمنع برنامجه.
نصطدم في هذا الجزء من الفيلم بلقطات قد تؤذي مشاعر الجمهور، لمقص الطبيب يعبث في رأس سعيد، في محاولة لاقتلاع الورم من جذوره. ويقول سعيد أنه استعان ببعض هذه اللقطات «للتأكيد على الإسقاط الرمزي المحوري في الفيلم»، من خلال التشبيه بين استئصال الورم من رأسه، وتحرير الفكرة الحبيسة في عقله، وفي هذا الجزء يبدأ الورم في الخروج، متوازياً مع الفكرة التي تتضح وتتبلور شيئاً فشيئاً.
واللافت في الفيلم مشهد الشطرنج، حيث نرى شخصين منهمكين في ممارسة لعبة الشطرنج، في جو من الغموض يؤكده الظلام المحيط. على رقعة الشطرنج التي يتأملها اللاعبان في قلق، نفاجأ بأشخاص حقيقيين بأحجام القطع الصغيرة ذاتها. ومن الأدوات التي يمسكون بها، نخمن بسهولة أنهم صحافيون يمارسون المهنة بفنونها المختلفة (التصوير الفوتوغرافي، التصوير التلفزيوني، الكتابة ...)، ولكن في حذر وترقب. فهم يتلفتون في كل اتجاه، وهو تماماً ما يجري في الواقع، حيث يعمل الصحافي في العالم الثالث على الدوام في إطار من الهواجس الأمنية والرقابية، وغالباً ما يهيمن عليه الخوف من العقاب إذا ما صرح بوجهة نظره.
هذا ما يتجسد لبطل الفيلم سعيد في أحلامه، فهو يعتقد أن الصحافيين أدوات تستخدمها السلطة لتحقيق مآربها، وهي أزمة جديدة من أزمات سعيد في الفيلم، التي لا يستطيع التعبير عنها في يقظته، فتتسرب منه في منامه.
لا أحد يتذكر الماضي بحذافيره، وإنما على النحو الذي فهمه ورآه به، ويسقط منه التفاصيل غير الضرورية. وهكذا استعاد بطلنا مشهداً مستقراً في ذاكرته، وقع له قبل نحو عامين ونصف عام على إنتاج الفيلم، عندما التقته صدفة إحدى السيدات التي كانت تتابع برامجه بإعجاب، وعبرت عن ذلك بقولها إن «برامج سعيد هي المادة الوحيدة للتسلية أثناء إعداد وجبة الغداء!». وبينما كانت السيدة العراقية التي تعيش في نيوزيلندا تقصد المديح استقبل سعيد إطراءها مصدوماً، فقد أدرك أن الناس الذين يدافع بحماسة عن حقوقهم يشاهدون أعماله كي يقتلوا فراغهم. وهنا قفزت إلى ذهنه صورته كمهرج، واستقرت لسنوات، حتى شاهدناها في هذا الفيلم، عندما فتح الأطباء رأس سعيد، وكشفوا عن خباياها.
وعن الهروب في المشهد الأخير من الفيلم يقول سعيد: «كنت أشعر بأن لديّ تركة ثقيلة من الاضطرابات القيمية، لم أجد حلاً سوى التخلص منها، والهرب. لذا فقد وقفت لحظات أمام الكاميرا، أتأمل كل ما مضى من الفيلم - أو من حياتي - قبل أن أستدير بعزم، وأنطلق باتجاه قرص الشمس».
الجديد في «أي كلام» أنه يوثق لانطباعات تدور في الخيال عن أحداث ومواقف حقيقية، ويرى سعيد أن «الانطباعات، وحتى الأحلام، هي جزء من الواقع، فالانطباعات هي قراءة للواقع، والأحلام انعكاس له، ومعرفة أحدهما أو كليهما يساعد في فهم الشخصية، من دون الحاجة إلى توجيه أسئلة مباشرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.