على رغم أن حلم من يُعرفون باسم «كتّاب المعاريض» بسيط ولا يتجاوز «أكشاكاً» مكيفة تقيهم حرارة الشمس الحارقة، إلا أن ذلك الحلم يبدو بعيد المنال. هؤلاء المواطنون الذين ينتشرون بالعشرات عند مباني «الجوازات» أو الإدارات الحكومية الأخرى، يملؤون للمراجعين استمارات في مقابل 10 ريالات لكل استمارة، في الوقت الذي يسيطر فيه مقيمون على غالبية مكاتب الخدمات العامة التي عمدوا إلى استئجارها بترحيب من مالكيها في مقابل يصل إلى 100 ألف ريال سنوياً أحياناً، وضيّقوا الخناق على أمثالهم السعوديين وقلصوا نشاطهم. وتجد خريج المرحلة الابتدائية يعمل جنباً إلى جنب مع آخر حاصل على شهادة البكالوريوس عند مبنى الجوازات في الرياض، وكلاهما لا يتأخر في خدمة الزبون وتعبئة نماذج سواء كانت للتفويض أو الخروج والعودة في مقابل 10 ريالات، لتتفاوت حصيلة أتعابهم بين 2000 و4000 ريال شهرياً، أسهمت في سد رمقهم ومنعتهم ذل سؤال الناس. ولا يستطيع هؤلاء الشباب استئجار مكاتب مثل تلك التي يدير غالبيتها مقيمون لقدراتهم المادية المتواضعة، أو العمل فيها لأن رواتبها متواضعة. وطالب عدد من كتّاب المعاريض وزارة الشؤون البلدية والقروية بالإسراع في تأمين أكشاك لهم، مشيرين إلى أنهم تقدموا للوزارة سابقاً بطلبات لإنشاء أكشاك لهم، لكن المسؤولين تجاهلوهم. إلى ذلك، أبدى أصحاب مكاتب للخدمات العامة استياءهم من منافسة نظرائهم الأجانب لهم واستحواذهم على نحو 60 في المئة من قيمة السوق على حد قولهم، وتوظيف مقيمين وسعوديين بطريقة تتنافى مع الأنظمة. وذكر سعد غازي القثامي الذي يدير مكتباً للخدمات العامة ل «الحياة»: «للأسف كانت أرباحنا أفضل قبل بضعة أعوام، إذ إن عدم اكتراث الجهات المسؤولة بالتأكد من حقيقة ممارسة صاحب المكتب الفعلي العمل في الخدمات العامة أو اكتفائه بتأجيره على وافدين، لعب دوراً كبيراً في احتكارهم للسوق وتضررنا، ما اضطرني إلى اللجوء إلى مكاتبهم ومشاركتهم العمل، إذ أتسلم منهم معاملات وأخلصها في مكتبي». وأشار إلى أن منع وزارة العمل مكاتب الخدمات العامة التعقيب لشركات يبلغ عدد عمالها 50 فأكثر، جعل عمل مكتبه في الحضيض، إذ كانت أرباح المكاتب لا تقل عن 2000 ريال يومياً في السابق، أما بعد تطبيق هذا النظام فلا تتجاوز الأرباح 500 ريال، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل إن ذلك أسهم في تسريح الكثير من المعقبين السعوديين، لعجز المكاتب عن تغطية رواتبهم بعد تسديدها بالكاد إيجار المكاتب. وقال كامل الشمري الذي يدير مكتباً آخر: «في السابق كان لدي 4 معقبين، اضطررت إلى تسريح اثنين منهم بعد منع وزارة العمل تعقيب المكتب للشركات التي تملك 50 عاملاً فأكثر وفرضها تعيين معقب لديها، ما أضر بنا، بل إن مندوب الشركة لا يتأخر في حالات كثيرة عن توكيل مكتب خدمات لتخليص معاملات الشركة». وأضاف أن فرض وزارة العمل إشغال وظائف مهنية بسعوديين مثل راعي غنم وسائق شاحنة وخياط، في ظل عدم إقبال سعوديين أو حتى تدريبهم عليها، أضر بمهمة التعقيب عليها، كما أسهم في تلاعب الكثير من المراجعين وجعلهم يوظفون سعوديين لديهم بمثل هذه المهن صورياً، في حين أنهم يقومون بمهمات بعيدة عنها كل البعد فعلياً. وعن طبيعة الأعمال التي يقوم بها مكتب الخدمات العامة، أوضح الشمري أنها تتنوع بين نقل الكفالة ب1500 ريال وتجديد الإقامة ب100ريال وتأشيرة الخروج والعودة وغيرها. وعلى رغم إرسال «الحياة» خطاباً لوزارة العمل بهذا الخصوص منذ 4 أسابيع، إلا أن الوزارة لم ترد عليها حتى هذه اللحظة. يذكر أن مجلس الوزراء أصدر القرار رقم 157 بتاريخ 13-6-1424ه الذي يقضي بالموافقة على اللائحة التنظيمية لمزاولة مهنة التعقيب على المعاملات لدى الجهات الحكومية، التي أشارت إليها الفقرة (ب) من المادة السابعة على أنه «يحظر على صاحب مكتب التعقيب الاتفاق على ممارسة أعمال التعقيب مع المؤسسات والشركات التي تزيد عمالتها على 50 عاملاً». وسبق أن أوضحت وزارة العمل في بيان بتاريخ 12-7-1426ه أن القرار ليس خاصاً بوزارة العمل وحدها، بل يدعم مكاتب الخدمات العامة التي تقل عمالتها عن 50 عاملاً، ويدعم توظيف السعوديين في شركات القطاع الخاص في وظائف معقبين.