منذ عقود والنظام السوري يستهدف خصومه. لم يتعوَّد أن يكون الهدف، وأن تنجح عملية تفجير في قتل بعض أهم أركان النظام. أزعم أن النظام السوري لا يملك القدرة على الرد. لا توجد أهداف في صفوف المعارضة بحجم داود راجحة وآصف شوكت وحسن التركماني ومحمد الشعار. حتى لو وُجِدَ مثل هذه الأهداف لما استطاع النظام قتلها، لأن المعارضة منقسمة على نفسها، وأركانها لن يوجدوا تحت سقف واحد كما وُجِد رجال النظام حول طاولة في غرفة في مبنى الأمن القومي. كنت بعد مذبحتَيْ الحولة والقبير كتبت في هذه الزاوية أن النظام وصل الى نقطة اللارجوع مع المعارضة، فالمواجهة المسلحة ستنتهي بفائز وخاسر. اليوم أستطيع أن أقول إن النظام سيخرج خاسراً في النهاية، فإيران لن تفرض على السوريين نظاماً لا يريدونه، والفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن من دون فعالية على أرض الواقع السوري. لا أعرف متى سيسقط النظام، وهل سيكون ذلك بعد يوم أو شهر، فأنا لا أملك كرة بلورية، ولا أحد يملكها ليعرف المستقبل. وفي حين نعرف جميعاً أن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب آخر الأنبياء والمرسلين، فإن في الصحافة العربية عدداً من «الأنبياء» الذين نسمع «نبوءاتهم» بعد الحدث والواحد من هؤلاء توقع سقوط حسني مبارك باليوم والساعة والتفاصيل المملة، وكان توقع قبل ذلك سقوط معمر القذافي وكيف سيعذّبه المسلحون، وطريقة استعمال العصا في تعذيبه. لا أملك مثل هذه القدرة، ولكن أستطيع أن أبدي رأياً على أساس التطورات الأخيرة هو أن الوضع في سورية خرج عن نطاق السيطرة، من دون أن نحتاج الى وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا ليؤكد لنا ما هو واضح كشمس الظهيرة. أرجو لسورية مستقبلاً أفضل مما رأت في نصف القرن الأخير، وهذا ليس صعباً، ثم أرجو أن يقوم فيها نظام متنوّر، ولا يهمني بعد ذلك أن يكون إسلامياً أو علمانياً أو خليطاً من هذا وذاك. سورية تستطيع أن تصبح سنغافورة الشرق الأوسط، كما كتبت في هذه الزاوية يوماً، ولم أكن صاحب الفكرة الأصلية، وإنما سمعت شرحاً لها من الصديق نمير قيردار، رئيس بنك الاستثمار انفستكورب، وهو من أنجح رجال المال والأعمال العرب. كل المطلوب هو حكم قانون مستقل ولا فساد. الصديق الآخر، السياسي والمفكر الجزائري محيي الدين عميمور كان الوحيد بين 20 مسؤولاً عربياً سألتهم قرب نهاية السنة الماضية هل يسقط بشار الأسد وقالوا نعم واختلفوا على التاريخ وهو قال لا، وطلب أن أعيد عليه السؤال عندما تثور دمشق وحلب، وقد فعلتا الآن. طبعاً أي تغيير في سورية لن يتوقف عند حدودها، وإنما سيؤثر في لبنان والعراق والأردن والمنطقة كلها، ومرة أخرى أجد أن التغيير يمكن أن يتطور إيجابياً في لبنان فتتقدم السياسة على السلاح، و «حزب الله» مثلاً بدأ حركة مقاومة ضد اسرائيل والتفَّ حوله أكثر اللبنانيين، وانتهى حزباً سياسياً قاعدته من الشيعة وحدهم. ولعل إغلاق أنبوب المساعدات الايرانية عبر سورية سيعيد «حزب الله» حركة مقاومة لها قاعدة شعبية عريضة في لبنان وخارجه. العراق سيكون تحت ضغط لخفض تعاونه، بل حلفه غير المعلن، مع ايران، فالنظام الايراني، على رغم صبغته الدينية، فارسي النزعة ينطوي على أحلام امبراطورية مستحيلة، وهو قد ينتهي كالنظام السوري إذا لم يتدارك الأمر بالكفِّ عن محاربة جيرانه والعالم. ولا بد من أن النظام في الأردن سيتنفس الصعداء، فيتوقف سيل اللاجئين، وينتهي التهديد الأمني الدائم عبر الحدود، وتُستأنف العلاقات الاقتصادية في بلدين يكمِّل أحدهما الآخر. ما سبق يذكرني بالحلف الاقتصادي الذي أطلقه رجب طيب أردوغان مع سورية ومصر، ثم رأى أحلامه الاقتصادية تتحول الى كوابيس. إحياء هذا الحلف ممكن مع النظام الجديد في مصر ونظام جديد في سورية. ما أستطيع أن أقول اليوم بثقة ومن دون حاجة الى كرة بلورية، هو أن علاقات أي نظام سوري قادم ستكون أفضل وأوثق، وأكثر فائدة للطرفين، مع دول الخليج العربي ومصر، وأكثر توتراً مع اسرائيل، فالصمود والتصدي والمقاومة كانت خطابية فارغة من أي محتوى. في غضون ذلك، لا أريد شخصياً سوى حفظ الدم السوري، فهو أهم لي من الأنظمة كلها. (رحم الله اللواء عمر سليمان. سأكتب عنه الأسبوع المقبل بعد أن أجمع أوراقي الخاصة عنه المتناثرة بين بيروت ولندن). [email protected]