مصطلح المنظمة المتعلمة مبني على خمسة محاور، هي: «التفكير بالنظم، والإتقان الفردي، وغزارة الأنماط الفكرية، والرؤية المشتركة، والتعلم كفريق واحد». والهدف هو الوصول بالمؤسسة إلى المنظمة المتعلمة للاستفادة من الطاقات البشرية الكامنة، أو التي لم يتم تطويرها بعد، وذلك من خلال التمكين، وأن المنظمات لم تعد تكتفي بالتعلم، بل إن الطرق التي تجعلها تتعلم أسرع وأعمق، وتحويل ما تعلمته إلى خدمات ومنتجات تصل بها للسوق بشكل أفضل من المنافسين، وهو يمثل نقلة نوعية جوهرية في نشاطات المنظمات والأعمال، بعد أن أصبح التعلم مصدراً لا ينضب للميزة التنافسية المستدامة. الهدف من بناء المنظمة المتعلمة الوصول إلى أداء أعلى وتحسين العمل وتحفيز العاملين ولمواكبة التطور، ولأن الوقت يتطلب ذلك، وأن التحول النمطي في المنظمة المتعلمة سينقلنا من الفردية إلى الجماعية، ومن المحلية إلى العالمية، ومن الوضع الراهن إلى التجديد المستمر، ومن كل يوم بيوم إلى التفكير الاستراتيجي، ومن التعلم السطحي إلى التعلم العميق. الفرق بين المنظمة والمنظمة التقليدية هو أن نمط القيادة في المنظمة التقليدية هو السيطرة، بينما في المتعلمة هو التحفيز، وفي التقليدية الاستراتيجية خريطة طريق، وفي المتعلمة خريطة تعلم، وفي التقليدية الهيكل هرمي، وفي المتعلمة ديناميكي، وفي التقليدية الموظفون أشخاص يعرفون، وفي المتعلمة أشخاص يتعلمون، وفي التقليدية المهارات تدريب، وفي المتعلمة تعلم، وفي التقليدية نظم تقويم الأداء تقارير مالية، وفي المتعلمة أبعاد متنوعة، وأخيراً في التقليدية القيم المشتركة والكفاءة العالية، وفي المتعلمة الامتياز، والمؤسسات عندما تكبر تفقد قدرتها على التعلم، لأن هياكلها وتفكير الأفراد أصبحت جميعاً جامدة، ومن هذا المنطلق لابد من التحوط من الوقوع في هذه المشكلات بالمبادرة سريعاً على وضع الحلول الناجعة لمستقبل أفضل، وذلك لن يتحقق إلا عن طريق المنظمة المتعلمة». نشرت صحيفة «الحياة» هذه الرؤية في الشهر الماضي لمحافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة الدكتور عبدالرحمن آل إبراهيم، وكان ذلك في ورشة عمل شارك فيها المحافظ ونواب المؤسسة وعدد من قياداتها، وناقشت التحول إلى المنظمة المتعلمة؛ وما طرح من تنظيم للتغيير المنتظر في المؤسسة، أرجو أن يُحطم عقدة «لكن» التي أصبحت ماركة ذات خصوصية سعودية، ترافقنا كظلنا في بيوتنا وشوارعنا، في حياتنا العامة والخاصة، تتحطم عليها آمالنا وطموحاتنا، ننسج الرأى والرؤية ونضع الاستراتيجية والخطط والأهداف، ثم تنقض عليها عراقيل «لكن» التي ما فتئت تُشعرنا بالهزيمة في كل حين! ما يزيد على خمسة عقود منذ إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة - خيارنا الاستراتيجي للحياة على هذه الأرض - وعندما نقف مع أنفسنا في تقويم موضوعي، ونتساءل، هل لدينا من الخبراء والقياديين من يستطيعون إدارة صناعة التحلية بكفاءة ومعرفة واقتدار؟ وبعد هذه السنوات الطويلة التي صاحبها ضخ استثمارات هائلة لإنشاء مشاريع تحلية المياه، ماذا نفذنا من استراتيجية نقل وتوطين المعرفة والتقنية، ولماذا لم نصل حتى الآن إلى تصنيع محطات التحلية بشراكات مع من يملكون التقنية والاكتفاء الذاتي من إنتاج المواد الخام وقطع الغيار؟ الإجابة أنه بعد أكثر من خمسة عقود من الزمن لا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تبحث في التحول من المنظمة التقليدية إلى المنظمة المتعلمة، وأنا لا أُلقي باللوم على الدكتور عبدالرحمن آل إبراهيم فهو لم يمض في منصبه إلا أشهراً قليلة، إنما هي تلك ال«لكن» التى غمرتنا بحجم موروث هائل يحتاج إلى فكر جديد وعمل جاد لتحويل نمطية العمل من أشخاص يعرفون إلى أشخاص يتعلمون لبناء قيادات وخبرات توازى حجم الإنفاق الهائل على صناعة التحلية والكهرباء والنفط والبتروكيماويات، وما زلت أحلم بعد طرد ال«لكن» بأن أسمع وأرى الدول - على الأقل المجاورة - تستقبل خبراءنا في هذه المجالات للتخطيط والتشغيل والصيانة لجدارتنا بما نملكه من إمكانات وطاقات بشرية. اليابان وكوريا الجنوبية يا أهل معوقات «لكن» لا تمتلكان موارد طبيعية، فلا فحم ولا نفط ولا حديد ولا خام، «لكن» بالمفهومين الياباني والكوري البشر هم أساس ثروة الأمم، التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتم بالإنسان ومن أجل الإنسان، لأنه غاية التنمية ووسيلتها الرئيسة، البشر في البرازيل وماليزيا وسنغافورة والهند هم منبع الأفكار والإبداع والاختراع والابتكار، ولذلك لحقوا بالعالم الأول وكانت لهم ريادة. الموارد الهائلة ضاعت وضيعها تخلف قيادة البشر في العراق وليبيا والجزائر وحتى باكستان، أما دول الخليج فإذا لم تستثمر الثروات الطبيعية في بناء البشر فإن وجودها مثل عدمها، وبغض النظر عن وفرة الملاءة المالية معدومة الأهمية إذا لم يتوفر الإنسان القادر على استثمارها على أفضل وجه ممكن، وكان العنصر البشري، بعقله وكفاءة تفكيره وأدائه المنظم وجدارته، العنصر الأهم في مواقع العمل كافة لأنه المصدر الأساسي لإنتاج القيمة المضافة. أتطلع لتحطيم أغلال «لكن» التى كبّلت إمكانات الملاءة المالية بتحديات صنعها العاجزون والمتفردون بالرأى والأفكار، فانعدام الموارد الطبيعية في اليابان وكوريا فَجّر «لكن» البشرية فنجح الإنسان بالعقل المبدع، وتجمد المال بين أيدينا في الخليج، وسنعض أصابع الندم وسيحاسبنا التاريخ بقسوة إن لم نتجاوز وبسرعة هائلة كبوة تراكم الأرصدة المالية مع فقدان بناء البشر. * كاتب سعودي. [email protected] alyemnia@