نائب وزير الخارجية يلتقي نائبة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين    وزير الخارجية يلتقي الأمين العام المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي    يوم التأسيس: جذور المجد وبداية الحلم    البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يعلن عن مبادرة لتمكين الامتياز التجاري في نشاط صيانة السيارات    بلدية صبيا تطلق فعاليات الاحتفال بيوم التأسيس    "الشؤون الإسلامية" تنهي فرش 12 جامعا بمنطقة القصيم    بعد وفاة 82 شخصاً.. بريطانيا تحذّر من استخدام حقن إنقاص الوزن    محرز يغيب عن الأهلي    الرياض: ضبط 4 وافدين لممارستهم أفعالاً تنافي الآداب العامة في أحد مراكز «المساج»    أمانة تبوك توفر 260 بسطة رمضانية في 13 موقعًا    إيداع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي «سكني» لشهر فبراير    الاتحاد الأوروبي يُعلن تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا    محافظة طريف تسجل أدنى درجة حرارة بالسعودية    تعاون صحي سعودي - إندونيسي لتعزيز خدمات الحج والعمرة    محكمة الاستئناف بعسير تحتفل بيوم التأسيس    المياه الوطنية تُنفّذ 4 مشروعات في الطائف بكُلفة تجاوزت 323 مليون ريال    لافروف: الحوار مع أمريكا في الرياض «إيجابي»    وزارة الصحة تؤكد أهمية التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل أداء العمرة    الكويت في يومها الوطني ال 64.. نهضة شاملة تؤطرها "رؤية 2035"    اليابان تسجل عجزًا رقميًا قياسيًا    طقس بارد مع فرص لصقيع ورياح في عدة مناطق    زيادة تناول الكالسيوم تقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم    بحث التعاون البرلماني بين الشورى السعودي والنواب الإيطالي    أمانة الرياض تباشر تركيب لوحات أسماء الأئمة والملوك في 15 ميداناً    سلال غذائية سعودية للنازحين بالسودان.. وعمليات قلب للمرضى في أوزبكستان    بنزيما ورونالدو يتنافسان على صدارة «هداف روشن»    الدبابات تدخل الضفة للمرة الأولى منذ 23 عامًا.. ووزير جيش الاحتلال: إخلاء مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس ومنع عودة سكانها    موجة برد صفرية في السعودية.. «سعد بلع» يظهر نهاية الشتاء    زياد يحتفل بعقد قرانه    كشافة شباب مكة تقلد محمود (المنديل والباج)    الطباطيبي يزفون عصام وهناء    في جولة" يوم التأسيس" ال 23 من دوري" يلو".. قمة تجمع الحزم ونيوم.. ونشوة الطائي تهدد البكيرية    ماذا فعل ريال مدريد بالسيتي!!    ضيوف منتدى الإعلام يزورون "مكان التاريخ"    ملتقى الأحباب يجمع الأطباء والطيارين    آل نصفان يهدي السعودية لقب بطولة ألمانيا للاسكواش    شدد على رفض أطروحات التهجير عربيًا ودوليًا.. أبو الغيط: لن يُسمح بتعرض الفلسطينيين لنكبة ثانية أو تصفية قضيتهم    شهد 29 اتفاقية تنموية.. 50 مليار ريال فرصاً استثمارية بمنتدى الأحساء    وقفات مع تأسيس السعودية وتطورها ومكانتها المتميزة    مختبر ووهان الصيني.. «كورونا» جديد في الخفافيش    "غينيس" توثق أكبر عرضة سعودية احتفاء بذكرى يوم التأسيس في قصر الحكم    السعودية تستضيف النسخة ال 27 لبطولة مجلس التعاون الخليجي للجولف في جدة    الدار أسسها كريم ٍ ومحمود    الجامعة العربية: محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه مرفوضة    مسيرات الحب في ذكرى يوم التأسيس    " أضواء العريفي" تشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية في الكويت    يوم التأسيس.. يوم التأكيد    أمير الرياض يرعى احتفال الهيئة الملكية والإمارة بذكرى «يوم التأسيس»    رئيس "سدايا": يوم التأسيس .. اعتزاز ممتد على مدى ثلاثة قرون من الأمجاد والنماء    محمد بن زقر في ذمة الله !    لماذا يحتفل السعوديون بيوم التأسيس ؟    الأمر بالمعروف في جازان تحتفي "بيوم التأسيس" وتنشر عددًا من المحتويات التوعوية    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة العنود بنت محمد    فرع "هيئة الأمر بالمعروف" بنجران يشارك في الاحتفاء بيوم التأسيس    وادي الدواسر تحتفي ب "يوم التأسيس"    برعاية مفوض إفتاء جازان "ميديا" يوقع عقد شراكة مجتمعية مع إفتاء جازان    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    لا إعلان للمنتجات الغذائية في وسائل الإعلام إلا بموافقة «الغذاء والدواء»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأكراد والارتباك بين الوطني والقومي
نشر في الحياة يوم 16 - 07 - 2012

تأخر أكراد سورية لفترة وجيزة عن المشاركة في الثورة ضد النظام؛ كان ذلك مبرراً من وجهة نظرهم بأنهم لن يمنحوا النظام فرصة لتصوير الثورة على أنها ذات ثقل كردي، مع ما يثيره ذلك من حساسيات لدى بعض العروبيين، وبخاصة ما قد يثيره من تخوفات في شأن نيات انفصالية محتملة، من دون استبعاد لعوامل التخوف من عدم استمرار الثورة أو إخمادها سريعاً. وعلى رغم المشاركة المستمرة في ما بعد لجزء من الأكراد، إلا أنها لم تكتسب الزخم القوي الذي كان لانتفاضة الأكراد عام 2004 مثلاً، ولم تساير المناطق ذات الغالبية الكردية نظيراتها في التصعيد سواء من قبل الثوار أو من قبل النظام، فخلت من مظاهر العنف الذي بات معمماً باستثناء التشبيح الذي يمارسه فصيل كردي يُعرف بارتباطاته مع النظام.
في الواقع تأخرت الأحزاب الكردية أيضاً عن شبابها المتعطش للثورة أسوة بالشباب السوري عموماً، وقد نالها الكثير من انتقادات الشباب قبل أن تقرر مواكبة تحركهم في الشارع، ومن ثم تأطيرهم سياسياً قدر الإمكان. وبوسعنا ردّ هذا التلكؤ إلى الترهل الذي شاب المعارضة السورية عموماً نتيجة عجزها عن مواجهة النظام، إضافة إلى عوامل الانقسام الداخلي وقدرة النظام على اختراق بعض الكوادر وتطويع البعض الأخر، فبقيت المعارضة الكردية في حالة ملتبسة، إذ أنها بحكم المعترف بها ضمناً وينتدب النظام شخصيات للتفاوض معها أحياناً، مع إبقائها دائماً تحت تهديد الملاحقة والتضييق، ولا بأس بالقول إن بعض القيادات استمرأت هذه الحالة فاستثمرت صورتها المعارضة أمام جمهورها، بينما نأت عن أي صدام حقيقي مع النظام.
من جانب آخر نجح النظام، بمساعدة الطرفين المعنيين، بإيجاد شرخ دائم بين المعارضة الكردية ونظيرتها العربية، وبخلاف كل ما يُفترض أن يقرّب بينهما استقرت نوازع الشك والريبة المتبادلة. لقد بدا مراراً أن سوء الفهم والتفاهم تفاقما لدرجة أن يرى كل منهما التفاهم مع النظام أسهل منالاً، ولم يتوانَ الأخير عن استثمار هذا المناخ لطرح نفسه كأفضل خيار متاح بالنسبة إلى الأكراد. إن ردّ هذه الحالة إلى جهل كل طرف بواقع الآخر صيغةٌ مهذبة تخفي الشرخ المتعمد، الأمر الذي تكشفه الاتهامات المتبادلة وعدم استعداد أي طرف لبذل جهد حقيقي وحثيث من أجل ردمه، مع التنويه بأن اصطفاف كل طرف يكاد ينحصر في مواجهة الطرف الآخر كما حدث في مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة مؤخراً، إذ لا تخفى عوامل التباين والاختلاف ضمن كل طرف.
بالتأكيد ليست قليلة هي العوامل التي تجعل أكراد سورية دائمي التشكي من أشقائهم العرب، ولهذا حديث يطول ويزخر بالمرارة والشجون، لكن اعتياد الأكراد على موقع المستضعَف لا يعفيهم من المسؤولية، إن لم يرتّب عليهم مسؤوليات أضخم لإيصال وجهة نظرهم والمثابرة على توضيحها للآخرين. هذا يتطلب من التنظيمات الكردية ومن المثقفين الأكراد بناء رؤية واضحة للقضية الكردية في سورية، وطرح رؤية مستقبلية لها سواء كان الحل ضمن سورية أم بالانفصال عنها، أم أن يُترك لاستفتاء ديموقراطي يقرر الأكراد فيه مستقبلهم.
لعل عدم وضوح الرؤية هو ما ميّز الأطروحات الفكرية لغالبية الأحزاب الكردية خلال العقود الماضية، وباستثناء قلة منها أعلنت عن نيات الانفصال لم تقدّم تصوراً ناضجاً عن حل المسألة الكردية في سورية، وليس الاستقرار أخيراً على طرح «حق تقرير المصير ضمن وحدة التراب السوري» سوى تسوية غامضة بين الأحزاب الكردية نفسها التي لا تملك تفسيراً متماسكاً يحل التناقض الظاهر بين «حق تقرير المصير» وإلزامية «وحدة التراب السوري». لكن هذا المطلب يُقرأ على الصعيد السوري العام بأنه يتركز خصوصاً على «حق تقرير المصير» الذي أدى في العديد من السوابق الدولية إلى الانفصال، ما يُغيّب مساحة الاختلاف بين الأكراد أنفسهم لصالح التشكك في الأمر واعتباره نوعاً من التقية السياسية. لقد كان لهذه الالتباسات ما يشفع لها في أثناء الحكم الديكتاتوري، حيث اضطرت الأحزاب الكردية إلى تقديم خطاب يرضي جمهورها من دون استفزاز قوي للسلطة؛ الآن ضاق هامش المناورة اللفظية إذ أضحت مطالبة بتقديم خطاب شفاف لجمهورها وللسوريين عموماً.
لا يخفى هنا أن الأحزاب الكردية ترزح تحت ضغط الفكر القومي الطاغي في العقود الماضية، وطالما وجدت نفسها تحت ضغط النزعات الراديكالية لقسم منها فدخلت في مزايدات تبتغي استقطاب أوسع شريحة من الشباب المتحمس، وأسوة بالقوميين العرب كان التصور الرومانسي عن وطن يجمع شتات الأكراد هو السائد، فلم يكن مطلوباً أن تكون القضية الكردية قضيةً سوريةً، بل الأفضل بقاؤها قضيةً كرديةً في سورية، وربما هذا ما يفسر الإصرار مؤخراً على تعبير «الشعب الكردي في سورية». الشاهد القوي على ما سبق هو قدرة حزب العمال الكردستاني على تجنيد الآلاف من الشباب وزجهم في معركته المسلحة في تركيا، ويُقدّر عددهم في إحدى المراحل بما يقارب الخمسة عشر ألفاً؛ أولئك الشباب نشأوا على فكرة كردستان الموحدة فلم يكن مستغرباً أن تبدأ معركتهم من أجل كردستان سورية بكردستان تركيا. سيكون من الخطأ قراءة المواقف الحالية للأحزاب الكردية بعيداً من مقدماتها، فموقفها من «المجلس الوطني السوري» محدد مُسبقاً على أنه «مجلس إسطنبول»، لا كما يروج النظام وإنما على خلفية العداء القومي لتركيا، كذلك يُقرأ الإصرار على سلمية الثورة والنقد الشديد للجيش الحر بأنهما موقف موجه بالدرجة الأولى والأخيرة للعدو التركي الذي يستضيف قياداته. العداء القومي لتركيا كان الموجّه لانضواء بعض الأحزاب الكردية ضمن هيئة التنسيق عوضاً عن المجلس الوطني السوري، على رغم هيمنة القوميين العرب «الناصريين» على قيادتها، وفي حالة شاذة يصعب فهمها أو تبريرها إلا ضمن الاعتبارات القومية قبلت الأحزاب الكردية المنضوية في الهيئة بوجود حزب الاتحاد الديموقراطي PYD، وهو الوريث السوري لحزب العمال الكردستاني، هذا الحزب الذي يتولى الضغط المادي والمعنوي على معارضي النظام في المناطق الكردية!
على الجانب الآخر لا يمكننا استبعاد تأثير النموذج العراقي بعد نجاح أكراد العراق في الوصول إلى استقلالية تدنو من الانفصال الفعلي التام، وبخاصة لما يبدو عليه من حل يوفق بين المسألة الوطنية مرحلياً والطموحات القومية مستقبلاً. هذا النموذج قد يفك شِفرة «حق تقرير المصير ضمن وحدة التراب السوري»، لكنه لا يؤصّل خصوصية التوزع الديموغرافي للأكراد في سورية، مثلما لا يلحظ المسيرة السياسية والعسكرية الطويلة للأكراد العراقيين والتي تتقدم بأشواط طويلة عن نظيرتها في سورية.
من ضمن مفاجآت الثورة أنها وضعت الأكراد أمام استحقاق غير منتظر، فهم بالفعل متصلون بيومياتها السورية العامة على رغم القلق المفهومي بين فكر قومي متأصل ومسألة وطنية مستحدثة. حتى الآن لا يظهر الحل الخاص المناسب متاحاً، ولا توجد مقدمات نظرية لتبلوره؛ هذه مسؤولية كردية بالتأكيد، لكنها بالضرورة أيضاً مسؤولية المعارضة العربية أن ترى فيه استحقاقاً وطنياً عاماً.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.