دارجٌ في لبنان إذا تحدّث أحدهم عن محطة تلفزيونية متّصلة أو مائلة إلى أحد الفريقين المتناكفين، أن يُحسب تلقاءً على هذا الفريق إذا تناولها بالمديح أو على ضدّه إذا تناولها بالذم. وأحياناً كثيرة، يُحسب هذا «الأحدهم» على الفريق الذي تنتمي إليه المحطة، بمجرّد أنه شاهدها. فقد بات في لبنان مشاهدون يبقون متنبّهين إلى شعار المحطة، يتجاوزونها حالما يقعون عليها، وجفونهم مغمضة. وهذا يشي بأن حرية الاختيار تخضع لرقابة ذاتية صارمة، حتى لو كان الأفراد في عزلة الليل والنعاس. ولعلّ هذه المقدّمة تساعد هذا «الأحدهم» على رسم بقعة ضوء يعبّر فيها عن رأيه في مصلحة «إنجاز» جدير بالثناء محسوب على أحد الفريقين، بقعة لا تلبث أن تظلم حالما تنتهي هذه العجالة. مضى وقت على عودة محطة «أم تي في» التلفزيونية اللبنانية إلى البث. أوقِفت في الماضي لأسباب، ثم عادت مع ميل سياسي نحو فريق 14 آذار. غير أن هذا الأمر ثانوي قياساً الى تناول مجمل أداء المحطة وحيويتها. صورة «أم تي في» هي أول ما يجذب المشاهدين إليها. صورة نقية واضحة ونظيفة. ألوانها الصارخة تستلهم مدرسة «الفوفيزم» في الرسم. النظر لا تشوّشه «شوائب» وأشكال خارجة عن السياق، سياق البرنامج مضموناً وديكوراً. إطلالة العاملين فيها، مكسب آخر للمحطة العائدة بنبض الشباب، وهذا بمعزل عن سماجة بعضهم أو طرفه. الصورة والكادر والخلفية تبقى هي ضابط العين. المساحة المتاحة للأجيال الشابة، هي من العوامل التي تجعل من «أم تي في» جذّابة لفئات عمرية مختلفة ومتنوعة. ومعالجة المواضيع سريعة رشيقة لا تترك مجالاً لتغلغل الضجر، وتكف إصبع الإبهام عن ضغط زر الريموت للانتقال إلى محطة أخرى. أحياناً، يعلق مشاهدون أمام فقرات سريعة، مثل تلك التي ترصد أوقات البث لمواضيع معيّنة في نشرات الأخبار في محطات أخرى. يعلق مشاهدون أمام تحقيق ميداني نفّذته «أم تي في» مع محطة «المنار» المحسوبة على الفريق الآخر، تحقيق عن حرية تنقّل سائقي التاكسي بين مناطق مختلفة. وفيه تبيّن أن سائقين كثيرين يشبهون المشاهدين الذين يمتنعون عن مشاهدة المحطات التي تخالفهم الرأي السياسي. «ابعد عن الشر وغنّ له»، قال أحدهم مبرراً إحجامه عن الذهاب إلى المنطقة الأخرى. وما يدعو إلى التوقّف عند «أم تي في» الجرأة في استخدام اللغة المحكية المطعّمة باللغة الأجنبية في دبلجة المسلسلات التي يخالها المشاهد مسلسلات محلية. المسلسل المدبلج في «أم تي في» يظهّر واقع التخاطب والتواصل في لبنان. لبنانيون كثر جداً، من عمر الستين وما دون، يستعينون بلغات أخرى في أحاديثهم ومحطات كلامهم. وهذا واقع لا تنقله محطات لبنانية وعربية أخرى.