نأى وزير العدل والحريات بنفسه بعيداً عن ملفات المحاكمات الجارية في المغرب والتي تطاول شخصيات رفيعة المستوى بتهم التورط في الفساد. وقال القيادي في «العدالة والتنمية» مصطفى الرميد إنه لم يتدخل أو يصدر أي أمر إلى الادعاء العام أو القضاة في هذه الملفات لأنه ملتزم احترام استقلالية القضاء ويحظر على نفسه القيام بما يسيء لهذه الاستقلالية. وعزا الإجراءات التي اتخذها قضاة التحقيق في الاعتقال الاحترازي لأولئك الأشخاص أنها جاءت بمبادرة من السلطة القضائية التي لها تقديراتها ولا علاقة لوزير العدل بها. لكن الوزير الرميد دافع عن سريان مفعول الاعتقال الاحترازي الذي كان هو أول من كشف عن وجود سجناء يخضعون له. فقال إن هناك خلفيات أمنية تدفع إلى استخدام هذه الآليات، مؤكداً أن منظومة إصلاح القضاء ستطول كل الإشكالات المطروحة، وأن الحوار حولها متواصل في حضور جميع الشركاء المعنيين من قضاة ومحامين وخبراء وتنظيمات غير حكومية لإقرار «إصلاح شامل». ورفض الرميد الخوض في الجدل الدائر الذي فجّره حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض حول إمكان استخدام القضاء لتصفية حسابات سياسية أو شخصية، مؤكداً أن المضي في إصلاح منظومة القضاء قرار لا رجعة فيه، وأن سلطته كوزير تمنعه من التدخل في سير القضاء. قضايا الفساد إلى ذلك، أفادت المصادر أن قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف في الدارالبيضاء المكلف ملف الإرهاب والجرائم المالية عبدالقادر الشنتوف استمع إلى إفادات رجل الأعمال سمير عبد المولى عمدة طنجة السابق في ملف شركة الملاحة التجارية «كومناف» الذي يتابع فيه مديرها العام السابق توفيق الإبراهيمي في حال اعتقال. وتعتقد المصادر أن اسم عبد المولى قد يكون ورد في إفادات متهمين آخرين في الملف كونه يدير شركة خاصة في النقل البحري والتجاري قد تكون اقتنت بواخر من «كومناف» قبل نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص، ما يرجّح فرضية أن يكون الاستماع إلى رجل الأعمال يندرج في إطار قوائم شهود محتملين للإحاطة بكل ملابسات الملف. وكان الادعاء العام وجّه إلى توفيق الإبراهيمي تهماً تشمل تبديد الأموال العامة واستخدام ضغوط نقابية لشل حركة ميناء طنجة المتوسطي لتحقيق إفلاس شركة الملاحة التجارية. وعُرف عن سمير عبد المولى أنه كان ينتسب إلى حزب «الأصالة والمعاصرة» قبل أن يفك ارتباطه به ويعلن انتسابه إلى «العدالة والتنمية» الإسلامي، في سابقة مثيرة بالنظر إلى أشواط الصراع السياسي العاصف بين هذين الحزبين. على صعيد آخر، يرصد مراقبون وقائع المؤتمر السابع لحزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران، في أول تجربة ديموقراطية داخلية بعد انتقاله من المعارضة إلى الحكومة. وكشفت المصادر أن المؤتمر الذي تستضيفه الرباط نهاية الأسبوع الجاري سيكون أول تظاهرة حزبية بعد التعديلات التي أدخلت على قوانين الحزب وآليات اتخاذ القرار، بخاصة أن المسؤولية القيادية أصبحت رهن ولايتين فقط. غير أن عبد الإله بن كيران الذي تولى قيادة الحزب الإسلامي بعد مؤتمره الأخير خلفاً لرئيس المجلس الوطني الحالي وزير الخارجية الدكتور سعد الدين العثماني أمضى ولاية واحدة فقط، ما يرسّخ الاعتقاد في إمكان ترشحه إلى زعامة حزبه في ظل الإجراءات الجديدة التي تعهد لأعضاء المجلس الوطني (برلمان الحزب) تقديم ترشيحات مختلفة. ويُضاف إلى ذلك أن مسؤوليته كرئيس حكومة تعزز هذا التوجه عدا عن أنه يُعتبر أول زعيم مكّن حزبه من حيازة صدارة الترتيب في الانتخابات الاشتراعية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. واستطاع بن كيران، في غضون ذلك، أن يحفظ تماسك حزبه، على رغم تباين المواقف أحياناً بين نوابه في البرلمان ووزرائه في الحكومة، إلى درجة بدا جلياً معها أن بعض النواب يلتزم مواقف أكثر تطرفاً، إن في مواجهة معسكر وزارة الداخلية أو على صعيد انتقاد مواقف شركائهم في الائتلاف الحكومي الذي يضم أحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية. وعابت تيارات معارضة على الحزب الإسلامي الحديث ب «أكثر من لغة»، إلا أن رئيس الحكومة لم يتوان عن انتقاد بعض التصرفات الصادرة عن نواب حزبه وعن وزراء حكومته على حد سواء، في ما يشبه إمساك العصا من الوسط. وسيكون المؤتمر السابع أول تحد يواجهه «العدالة والتنمية» في مساره الجديد. غير أن مصادر قريبة إلى قيادة الحزب ترى أن رهان الإسلاميين يكمن في صون الزخم الذي أحدثه انتقالهم إلى الواجهة الحكومية، وفي ذات الوقت العمل من أجل صون تحقيق طفرة مماثلة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، سيما في البلديات والجهات. وبعكس شريكه حزب الاستقلال الذي كانت محطة مؤتمره الأخيرة عنوان تصدع وخلافات إزاء مسؤولية القيادة السياسية، يذهب مراقبون إلى أن «العدالة والتنمية» يوجد في وضع مريح. غير أنه سيدفع في اتجاه تجديد القيادة كي يترك لوزرائه فرصة الاشتغال بالعمل الحكومي من دون إغفال مسؤولياتهم الحزبية.