في أقل من أسبوعين، حرص رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران على ترديد عبارات مفادها أن علاقته والعاهل المغربي الملك محمد السادس «خالية من أي توتر أو صراع». وفي كلمته في عيد العمال أمام مناصريه في نقابة «الاتحاد الوطني للعمل»، أول من أمس، كان أكثر وضوحاً لدى توجيه الانتقاد إلى من نعتهم ب «التماسيح»، معلناً أنه سيخوض الحرب ضدهم بلا هوادة، وأنه «لن يتواجه وملك البلاد». وأضاف بن كيران بلهجة لا تخلو من المرارة والإصرار أن خصوم حزبه - «العدالة والتنمية» - ما فتئوا يضعون العراقيل أمام حكومته. واستدل على ذلك بأنه بعد تشكيل الحكومة ببضعة أيام «عمدت جهات إلى إحضار نساء مغربيات من مناطق بعيدة بدعوة الاحتجاج على غياب الحضور النسوي في الحكومة». وتساءل: «أين ذهب خصوم حزبنا خلال مرحلة ما قبل الانتخابات؟». ثم أجاب إنهم موجودون ويتموقعون في أماكن عدة، مشدداً على أنه أكد للعاهل المغربي الملك محمد السادس أنه يلتزم العمل الجدي، ولا يعرف الخوض في معارك هامشية مفتعلة. ورأى مراقبون في توالي تصريحات رئيس الحكومة بهذا الصدد وتحديداً تلميحاته المتكررة باستبعاد أي شكل من أشكال المواجهة مع القصر، مؤشراً لناحية الإقرار بوجود لوبيات ومراكز نفوذ تسعى إلى الوقيعة بين الحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» ورأس الدولة، بخاصة في ضوء تنفيذ مقتضيات الدستور الجديد الذي منح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة لكنه أبقى على دور استراتيجي للملك في القضايا المرتبطة بالأمن والشؤون الدينية ورئاسة مجلس الوزراء. بيد أن أهمية هذه التصريحات تكمن في أن رئيس الوزراء اختار العودة إلى الموضوع بعد أن كان اشتكى من سوء تأويل تصريحاته، فيما بدا واضحاً أنه دخل معترك الصراع في مواجهة لوبيات يرى أنها «لم تتعلم الدرس بعد». وعلى رغم أن البرلمان صدّق على قوانين تنظيمية تحدد صلاحيات التعيين في المناصب الرفيعة بين الملك ورئيس حكومته، فقد فُهم الجدال الدائر حول «دفاتر التحملات» في القطب الإعلامي الرسمي بأنه بمثابة نوع من تنازع الاختصاص. ذلك أن القوانين التنظيمية ترهن التعيين في مراكز القرار في المؤسسات الإعلامية بقرار ملكي، فيما يعود إلى رئيس الحكومة صلاحية اختيار مدير المركز السينمائي الذي ترعاه وزارة الإعلام. وأفادت معلومات «الحياة» أن اللقاء الذي كان جمع الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران ووزير الدولة محمد باها ووزير الإعلام مصطفى الخلفي عرض إلى النقاش الدائر حول «دفاتر التحملات» وحرص الوزير الوصي على القطاع على تأكيد أن خطة إصلاح منظومة الإعلام الرسمي تندرج في سياق تكريس الحوكمة الجيدة وصون المال العام، ما نزع عن الحوار بعده الديني على خلفية انتقاد أوساط متنفذة ما وُصف ب «أسلمة التلفزيون» وتحديداً ما يطاول بث أذان الصلوات الخمس ونقل صلوات الجمعة والأعياد الدينية وإقرار برامج تربوية. ويسود اعتقاد أن هذه الخطة فجّرت بعض الجوانب المسكوت عنها في صراع يبدو ظاهرياً إعلامياً لكنه في عمقه ذو منحى سياسي. ولم يخف بن كيران من جهة أخرى صعوبة الظرفية التي يتحمل فيها المسؤولية. ونُقل عنه القول موجهاً كلامه إلى من وصفهم بمثيري الخلافات المفتعلة: «لا تضيّعوا وقتكم في إشعال الفتيل»، ما يعني وفق مصادر عدة أن لدى رئيس الحكومة إحساساً بأن التجربة الراهنة المتمثلة في قيادة «العدالة والتنمية» الائتلاف الحكومي ما زالت تعرض لضغوط وإن لم يفصح عن هوية ممارسيها. وفي سياق متصل عمد وزير العدل والحريات مصطفى الرميد القيادي في «العدالة والتنمية» على وضع العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة الإصلاحات البنيوية التي يعتزم تنفيذها في قطاع العدل، على أساس فتح حوار شامل مع الفاعليات المعنية. وفيما ذهبت مصادر إلى اعتبار مبادرة الوزير الرميد خطوة استباقية للحؤول دون مواجهة ردود أفعال غير مسبوقة، استعبدت أوساط أخرى أن يكون لمبادرته أي خلفيات. غير أن وزير العدل والحريات عاود التأكيد أنه سيضطر إلى الاستقالة في حال عدم تنفيذ تعهداته لجهة إصلاح القطاع. سيناريوات التلويح بالاستقالة أو التمسك بالاستمرار في المسؤولية إلى حين انتهاء الولاية الاشتراعية اعتلت الواجهة السياسية مرات عدة. فقد أعلن وزير الإعلام مصطفى الخلفي أمام لجنة نيابية أنه لن يستقيل وأنه سيدافع بشراسة عن تنفيذ مقتضيات الدستور. وجاء كلامه بعد أن دعاه أحد أعضاء الكتلة النيابية لحزبه إلى الاستقالة في حال اعترضته صعوبات تكبّل إرادة المضي قدماً في الإصلاح. إلى ذلك دعا منتسبون إلى «العدالة والتنمية» حكومة بن كيران إلى إقرار موعد محدد لتنظيم انتخابات البلديات والجهات ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان). وتعتبر المرة الأولى التي يتداول فيها أعضاء الحزب الإسلامي في أجندة الاستحقاقات المقبلة، إضافة إلى التحضير للمؤتمر الوطني للحزب. ولا يزال البرلمان المغربي يسير بوتيرتين. فمن جهة هناك مجلس النواب ذو الصلاحيات السياسية الواسعة الذي نتج عن اقتراع 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ومن جهة ثانية هناك مجلس المستشارين الذي يضم منتخبين خلال فترة ما قبل تعديل دستور الأول من تموز (يوليو) 2011.