أياً تكن ذرائع الموفد الدولي - العربي كوفي أنان لتبرير زيارته الى طهران وتأكيده أن لإيران «دوراً إيجابياً» في حل الأزمة المستفحلة في سورية، فإنها تشكل خروجاً عن التفويض الممنوح إليه على أساس الخطة العربية الانتقالية المرفوعة إلى مجلس الأمن، وتحول جهوده مجرد تقطيع للوقت بانتظار أن تحسم التطورات الميدانية والسياسية مسار وساطته المترنحة ومصير بعثة المراقبين الدوليين التي لم تعد قائمة عملياً. وقد جاءت محادثات وفد المجلس الوطني السوري في موسكو امس لتؤكد أن اجتهادات أنان غير مجدية، بعدما تبين للمعارضين السوريين عدم حصول أي تطور ولو بسيط في موقف روسيا المتمسك ببقاء بشار الأسد، فكيف يُنتظر من إيران الغارقة حتى أذنيها في الدفاع عن حاكم دمشق، قولاً وعملاً، أن تكون «إيجابية» في التعاطي مع أي اقتراح انتقالي يؤدي إلى تغيير النظام. لقد شكلت سورية بقيادتها الحالية المنفذ الذي دخلت منه إيران وتدخلت في الشؤون العربية، والغطاء السياسي لفرض إرادتها ورجالها في لبنان والعراق، فهل يعقل أن تتخلى عن هذه الورقة؟ أما الخطة التدريجية لوقف إطلاق النار التي اتفق أنان عليها مع الرئيس السوري فتشكل أيضاً خرقاً لتفويضه ولخطة النقاط الست التي كان وضعها بنفسه وصادق عليها مجلس الأمن والجامعة العربية، والتي تنص على وقف فوري وشامل لإطلاق النار وخصوصاً من جانب القوات الحكومية، وسحب الجيش من المدن والمناطق الآهلة وإطلاق المعتقلين السياسيين والسماح بكل أشكال التعبير السلمي. ويصعب التصديق أن المبعوث المشترك لم يكتشف الخدعة في اقتراح الأسد وقف إطلاق النار أولاً في الجبهات الأكثر عنفاً بما يريح قواته ويسمح لها بالقضاء على بؤر الانتفاضة الأقل قوة، واحدة تلو الأخرى، لا سيما انه ينص على فترة ثلاثة اشهر للوصول إلى وقف شامل للعنف. ومن الواضح أن أنان الذي اعلن في حديثه إلى صحيفة «لوموند» فشل خطته يسعى إلى تمديد مهمته بأي شكل كان ومهما كانت النتائج ضئيلة. ولعله يستغل في سبيل ذلك العجز الدولي عن التوصل إلى تفاهم يتيح البدء فعلاً في الحل الانتقالي. فالخلافات التي تبدت في تفسير «الأرضية المشتركة» التي خرج بها مؤتمر جنيف لمجموعة العمل حول سورية أظهرت الحاجة إلى استمرار جهوده، ولو من دون توقعات، خلال فترة المراوحة هذه. فالروس والإيرانيون يعرفون انه ليس ممكناً قبول المعارضة السورية على اختلاف توجهاتها بحل يقوم على بقاء الأسد وحاشيته، والأميركيون والعرب يعرفون انه ليس ممكناً أن يقبل الأسد بحل يقوم على تنحيه طالما لا يزال يمتلك القوة الكافية للدفاع عن نظامه. لكن هذا لا يبرر الشطط الحاصل في جهود أنان وتوزيعه شهادات حسن السلوك على إيران وعلى الرئيس السوري نفسه، كما لا يمنحه الحق في تبني وجهة نظر احد طرفي النزاع بعدما كان حمَّله في إيجازه أمام مجلس الأمن المسؤولية الأكبر عن فشل مساعيه. وحتى لو كان البعض يعتقد أن فترة اللاحسم ستطول، وقد تمتد إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ما يبرر الحاجة إلى وجود وسيط ما، فالمطلوب من الأممالمتحدة ومن الجامعة العربية أن تضبطا موفدهما المشترك بحيث يتوقف عن الإخلال بشروط تفويضه.