هل تقلق قبل دخولك قاعة الامتحان؟ هل تقلق قبل موعد المقابلة من أجل الحصول على وظيفة ما؟ هل تقلق إذا توقف المصعد بك؟ هل تقلق إذا تخلف شخص ما عن موعد ضربته له؟ هل تقلق عندما يرن جرس الهاتف خلال فترة نومك؟ هل ينتابك القلق عندما تمشي في الظلام الدامس؟ هل تقلق إذا أصيب أحد أفراد عائلتك أو أقاربك بمرض خطير؟ هل تقلق عندما تهم بإلقاء خطاب أمام جمهور؟ هل تصاب بالقلق عندما تضل الطريق؟ هل تقلق عندما تتعرض لكابوس خلال فترة النوم؟ هل تقلق عندما ترى الشيب يدب في شعر رأسك؟ هل ينتابك القلق عندما يتساقط شعرك؟ هل تقلق عند تسريحك من العمل؟ هل تقلق عندما تلمع السماء برقاً ورعداً؟ هل تقلق عند ركوب الطائرة؟ هل تقلق عندما يواجهك تهديد ما؟ هل تشعرين بالقلق من موعد الولادة؟ إذا أجبت بنعم، فلا تشغل بالك، فهذا القلق طبيعي للغاية وهو موجود عند كل الناس، وفي مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، صغاراً وكباراً، نساء ورجالاً، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء. إن القلق الطبيعي يشكل جزءاً من حياتنا اليومية، ويكون بمثابة إنذار مبكر لأخذ الحذر والحيطة من خطر ما، أو قد يكون حافزاً يدفع إلى التفكير الإيجابي من أجل وضع خطة ما، أو تنفيذ عمل، أو مواجهة خطر، أو اتخاذ قرار، أو تحقيق هدف ما، وذلك من دون أن يكون له (القلق) آثار سلبية جسدية أو نفسية. أما القلق الذي يعصف بالحياة، ليقلبها رأساً على عقب، فهو قلق مرضي، لأنه يبدد طاقة الشخص، ويفقده نشاطه، ويحد من إمكاناته، ويشل حركته، ويقلل من إنتاجه، ويقود إلى نتائج سلبية تزرع الدمار والخراب على كل الصعد، الشخصية، الصحية، النفسية، الاجتماعية، العائلية والاقتصادية. وفي كتابه الشهير «دع القلق وابدأ الحياة» يقول مؤلفه ديل كارنيجي: يستطيع القلق أن يجعل أكثر الناس صحة مرضى. والقلق المرضي ليس جديداً، بل عرف منذ القدم، لكنه أصبح من سمات العصر الحديث، فاحتل مكان الصدارة بين المشكلات والاضطرابات النفسية، وهو يطاول شخصاً واحداً من كل تسعة أشخاص، من هنا لا يتردد البعض في تسمية هذا العصر بعصر القلق، وهذه التسمية تأثرت، على ما يبدو، بقصيدة الشاعر الأميركي أودن الذي كان عنوانها «عصر القلق». كيف يظهر القلق المرضي؟ إن القلق المرضي ينال من كل أعضاء الجسم، فهو يتلف الدورة الدموية، ويلحق الضرر بالغدد الصماء، ويخلق بلبلة في الجهاز الهضمي، ويؤثر في الجهاز العصبي، ويزعزع الاستقرار النفسي، وهو بكل بساطة يجعل أصحابه عاجزين عن النهوض بأعباء الحياة ومستلزماتها الطبيعية. وفي شكل عام يمكن القول إن مظاهر القلق المرضي هي خليط من العوارض النفسية والفيزيولوجية، ومن بين هذه العوارض: - زيادة في دقات القلب. - ضيق في التنفس وآلام في الصدر. - رعشة وإحساس بالاختناق. - صعوبة التركيز والانتباه. - سرعة الانفعال. - اضطرابات شتى على صعيد النوم. - الصداع، ودوار في الرأس. - سهولة الوقوع فريسة الخوف. - تعب مستمر وغير مبرر. - فقدان الرغبة والقدرة على الاستمتاع بمباهج الحياة. - فقدان الثقة بالنفس، وضياع الشعور بالأمان. - سيطرة النظرة التشاؤمية. - خوف من فقدان القدرة على السيطرة على الأمور، والخوف من الموت. - تنميل وبرودة أو سخونة في الأطراف. - اضطرابات تشمل المعدة والقولون مثل الألم البطني، والإسهال، أو الإمساك. - الشحوب بسبب قلة الدم المندفع صوب الجلد. - زيادة خطر التعرض للأزمات الوعائية في القلب والدماغ. - اضطرابات على صعيد الوظائف الجنسية. كيف السبيل لمواجهة القلق؟ إذا تحول القلق كابوساً ينغص على صاحبه حياته على جميع الصعد، الجسدية، الصحية، الاجتماعية، المهنية والزوجية، وإذا جعل القلق المصاب مشلول الحركة والتفكير، فإنه يحتاج إلى العلاج حتماً تحت إشراف طبيب نفسي يأخذ بيده إلى بر الأمان، وذلك قبل أن يتغلغل في أعماقه ويأتي بنتائج سلبية على عيشه. وخير ما يمكن فعله لمواجهة القلق هو العمل قدر المستطاع على تبديد الأسباب التي تقف خلفه، واتباع نمط حياة صحياً، وتناول طعام متوازن، وأخذ أقساط كافية من النوم والراحة، وممارسة تمارين الاسترخاء، والمثابرة على الرياضة البدنية المنتظمة، وهذه الرياضات الأخيرة تعطي نتائج طيبة في دحر القلق. في المختصر المفيد، إن وجود شيء من القلق في حياتنا هو علامة من علامات الصحة لأنه يدفعنا إلى إيجاد الحلول المناسبة، واتخاذ القرارات الملائمة، والتطلع نحو الأفضل. أما القلق الذي يهز كياننا من الداخل ويحطم صحتنا، ويجعل حياتنا تعيسة، جسدياً وعقلياً وعاطفياً، فهو، بلا شك، قلق مرضي يقودنا إلى حافة الهاوية إن لم يكن إلى الهاوية في حال تركه يسير على هواه. هاجس الامتحان القلق من الامتحانات حالة نفسية انفعالية شائعة كثيراً بين الطلاب، لكن لا خوف منه، لأنه يعتبر عاملاً إيجابياً إذا أحسن الطالب استخدامه من أجل بذل المزيد من الجهد، وشحذ إمكاناته وقدراته، لاستثمارها في صورة جيدة لتحقيق النجاح. هناك عوامل كثيرة تشعل فتيل القلق من الامتحانات أهمها: 1- عوامل تكمن في الطلاب أنفسهم، لأنهم يخافون من الفشل، وينتابهم شعور بالتقصير، وبأنهم لم يقوموا بالجهد الكافي من أجل النجاح. 2- عوامل تكمن في الأسرة، التي تحول المنزل إلى حال تشبه حال التأهب للحرب، بحيث تكثر اللاءات والممنوعات، ويشيع جو التحذيرات، ويتحول جو المنزل إلى عامل استفزاز بدل أن يكون عامل أمان وهدوء وطمأنينة. 3- عوامل تكمن في بعض المعلمين، الذين يضعون اختبارات تعتمد على البصم أكثر من الفهم، إلى جانب إثارتهم أجواء من التخويف والتهويل من الامتحانات. 4- عوامل بيئية، مثل الضجيج، والأمكنة غير المناسبة للمذاكرة، وسوء التغذية، وسوء التواصل الاجتماعي، وسوء المعاملة، وغيرها. إن درجة قليلة أو متوسطة من القلق مفيدة للطالب، لأنها تحقق له نوعاً من التوازن النفسي الداخلي الذي يجعله مستعداً ومتأهباً لخوض المعركة. لكن هذا القلق (أي قلق الامتحان) قد يكون شديداً، يؤدي إلى إعاقات على صعيد التفكير والأداء والتحضير، وإلى النسيان وتشتت الأفكار والارتباك، وهنا تكمن الكارثة. [email protected]