واحدة من أغرب دعوات حفلات الزفاف، كانت تلك التي تدعو الى زفاف «الشاب العالق النزيل» عمر صالح أبو نمر النازح إلى مركز إيواء «بنات الشاطئ الإعدادية» (أ)، وهي مدرسة تابعة لمؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالأساس، وتقع في مخيم الشاطئ في قطاع غزة، على «اللاجئة الناجية» هبة رياض فياض، «النزيلة في مركز إيواء مدرسة بنات بيت لاهيا». الدعوة الخاصة بحفلة الزفاف التي شارك في إحيائها نازحون من الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة جمعتهم أسقف المدرستين على مدار قرابة الشهر، ويوميات الرعب. كانت الدعوة معبرة في ما اشتملت عليه من عبارات، بينها «الأطفال متواجدون بكثافة في مراكز الإيواء لا داعي لاصطحابهم»، و «دامت الأفراح في مراكز إيوائكم العامرة». وعلى رغم السواد الذي تتشح به غزة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، استطاعت العروس بثوب الزفاف الأبيض كسر الصورة النمطية للقطاع الجريح والشهيد. فببياض ثوبها وابتسامتها العريضة، كسرت سواداً يغلق غزة بالدخان المتصاعد من منازلها ومدارسها ودور العبادة فيها، وهو السواد نفسه الذي لطالما اتشحت به الغزّيات الثكلى بأزواجهن وأبنائهن وبناتهن وحيواتهن وذكرياتهن المصلوبة على جدران لم تعد حيث كانت، بل باتت نسياً منسياً على أرض مجاورة، أو تناثرت بعيداً. وكسرت العروس بثوبها أيضاً نمطية البياض الذي ارتبط بالأكفان، فكان الأبيض للفرح هذه المرة. وبالفعل، كانت ساحة مدرسة أو مركز إيواء بنات الشاطئ الإعدادية، مساحة لفرح عروسين نجوا من الموت الذي طاول قرابة الألفين حتى الآن، ومن إعاقات بفعل صواريخ الاحتلال وآلته الحربية مست في الصميم قرابة العشرة آلاف. كانت حفلة الزفاف مساء الأربعاء الماضي مليئة بالبهجة لقلوب اعتادت الحزن، وعيون فقدت القدرة على البكاء من كثرة ما ذرفت الدمع فجعاً على فقدان عزيز، أو منزل كان «يستر العائلة». وتخللت حفلة الزفاف فقرات كانت في غالبيتها أناشيد وطنية وشعبية، ووصلات دبكة قدمها شبان لا يزالون قادرين على الرقص فرحاً، على رغم كل الجراح التي لا تزال تعصف بغزة وأهلها، وهو ما وجد فيه الجميع تحدياً للاحتلال وجرائمه التي لا تزال آثارها باقية في نفوس البشر وعلى أجسادهم، وفي الأحياء التي دمرت عن بكرة أبيها، فلم يعد ثمة بيت ولا معالم لطريق البيت أيضاً، رافعين شعار «على رغم الجراح نحيي الأفراح». وفي كلمات مقتضبة قال العريس عمر صالح نمر ل «الحياة»: «نريد إيصال رسالة إلى العالم بأننا شعب صامد وصابر ونحب الحياة، على رغم الموت الذي يحيط بنا من كل جانب. يجب أن نتزوج وننجب أطفالاً لعلهم ينجحون في تحرير فلسطين والقدس في المستقبل». أما عروسه هبة رياض فياض، فقالت بدورها: «لا بد من الفرح. الشهداء سقطوا من أجل فلسطين، ولذلك يجب أن نصمد، ونفرح، ونتزوج، ونتكاثر». وكان لشباب حملة «شارك شعبك»، المنبثقة من «منتدى شارك» الشبابي في غزة، دور كبير في المساعدة بالترتيب للحفلة. وحول ذلك قال مهيب شعث منسق الحملة في القطاع ل»الحياة»: «المتطوعون العاملون في الحملة تواجدوا في المدرستين (مدرسة العريس ومدرسة العروس)، وقاموا بالتنسيق مع «الأونروا» ليساهموا في التجهيز لحفلة العرس». وأضاف شعث: «طواقمنا قامت بتجهيز وتزيين مكان إقامة العرس، وكذلك تقديم مساندة نفسية، خلال الفترة الماضية، عبر مختص للعروسين». ولفت إلى أن الحفلة كانت في مدرسة العريس (بنات الشاطئ)، إلا أن «الدخلة» كانت في أحد فنادق القطاع، بتبرع من احد «فاعلي الخير»، ملخصاً رسالة شباب الحملة من المشاركة في حفلة زفاف أبو نمر وفياض، بما قاله رمز فلسطين الأدبي، الشاعر الكبير محمود درويش «ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً».