لا يزال رحيل الشاعر والأديب الدكتور محمد العيد الخطراوي قبل أيام يثير الأسى والحزن، بين الأدباء والمثقفين الذين عرفوه عن كثب. فهو يعد قامة أدبية مهمة، ورمزاً حيوياً للأدب والشعر في المدينةالمنورة، كما أنه أحد المؤسسين للنادي الأدبي في المدينةالمنورة، وهو أديب ترك العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية التي أثرت المكتبة وغطت مواضيع وقضايا مهمة. يقول الدكتور عالي القرشي عن الفقيد: «رحم الله الأديب المبدع والعالم المتجدد فكراً ورؤية». الأستاذ الدكتور محمد العيد الخطراوي، سيبقى في الذاكرة والوجدان، التصق بأكرم البقاع وأطهرها، ناجاها في كلماته واختلج لها، بكى على صمتها وغيابها، فانطق الصمت واستحضر التأبي على الغياب، قرأ فيها تلك النفحات التي لامست روحه وشغاف قلبه، فغدت الكلمات أرواحاً للمكان وعبقه ودفئه، وموئل الحنين منه وإليه». ويضيف القرشي ل«الحياة»: «تقرأ الخطراوي حين يضع ذاته ورؤاه على أعتاب المحبوبة»، فتجد تمازج فيوض الذات والمكان يسكب ماءها في رؤيا الشعر، يقول عن صفيته المحبوبة: «تمرح العين في غلائلها الخضر ويصبو لوجهها التأويل وتعيش الأحلام عبر هواها قبسات يزكو بهن الفلول فعلى صدرها تطيب الأماني وعلى زندها يلذ الذهول». بقي أن أقول إن القصيدة عند الخطراوي ذات تجدد مستمر، أثرى فيه القصيدة العمودية، وراود آفاق القصيدة الجديدة، ولم يغفل النقد عن هذا الإثراء، فقد تابعه وتوقف ملياً عند تجربته». ويستعيد الأديب محمد ربيع الغامدي لقائه الأول بالراحل، فيقول: «في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول كانت فرصتنا نحن طلاب الجامعة أن نلتقي بالعمالقة، الذين لم نكن نلتقيهم إلا على أحبار كتاباتهم، رأيت الدكتور الخطراوي ولم يكن دكتوراً يومها على بعد خطوات قطعتها إليه وبرفقته الشاعر العظيم حسن القرشي، قدمت له نفسي ثم سألت: أوسيٌ أنت أم خزرجي؟ فضحك قائلاً: خطراوي!، ثم تدخل القرشي قائلاً: الأزد يبحثون عن بعضهم وضحكنا جميعاً، وقبل أن نفترق أعطاني ملزمة كانت في يده تحمل قصيدته التي شارك بها في مؤتمر أمجاد الرياض». وأوضح الغامدي أن الخطراوي «من جيل الرواد العمالقة، ولا شك حتى وإن تأخرت به أيامه عنهم، وهو من المؤثرين الفاعلين في مسيرة الأدب السعودي المعاصر، بما قدمه من جهد أدبي وكتابي، وبما مارسه من فعل تربوي جاوز فيه نصف قرن من العطاء المشهود، وهو علم من أعلام طيبة الطيبة أدباً وتاريخاً وجغرافية ومكانة اجتماعيه، أسس فيها أسرة الوادي المبارك، وكان من مؤسسي ناديها الأدبي، ومن بناة جمعيتها التي قامت هناك للثقافة والفنون، وله ممن تخرج على يديه عدد كبير من الطلاب الذين أحسن إليهم بما علّمهم. لقد حزنت كثيراً على موته، كما أحزنني كثرة الباكين عليه، ولكنها سنة الحياة، ولن ينفعه إلا ما قدم لآخرته ولوطنه ولثقافة أمته، نسأل الله أن يتقبل منه ما قدم، وأن يجزيه عنا خير الجزاء». ويقول الشاعر والناقد ماهر الرحيلي: «فقدت المدينة برحيل الأستاذ الدكتور محمد العيد الخطراوي ابناً باراً، وعالماً جليلاً، وأديباً محافظاً ومجدِداً، وإسهاماته تشهد له في اللغة والأدب والفقه والتاريخ دراسةً وتحقيقاً. وتمَّ تكريمه قبل وفاته في مبادرة جميلة من النادي الأدبي، وبحضور وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة وجمعٍ من محبيه وتلامذته، وقد شعر بالوفاء والحب ليلتها، وظهر ذلك جلياً عليه كما رأيناه». ودعا الرحيلي إلى أن يبادر نادي المدينة الأدبي «لجمع أعماله العلمية والإبداعية المطبوع منها والمخطوط في سلسلة واحدة، لتكون عملاً يُنتفع به بعد مماته، ولتعين الدارسين على الاستفادة والنهل من فكره وأدبه. لقد عرفته عن قرب حين كنت أستشيره في بعض المواضيع النقدية، فوجدته رحب الصدر، واسع العلم، صادق النصح، كما عرفته من خلال دراستي لقصائد من شعره، ولمست فيها فناً عالياً راقياً، جمع بين اللغة النقية والصورة الراقية والإيقاع العميق والحسّ المتدفق. رحم الله الخطراوي، وبارك في أولاده وتلاميذه ومحبيه». ويرى الأديب والكاتب سعد الرفاعي أن الدكتور محمد العيد الخطراوي «أحد رموز أدبنا السعودي وعلامة من علامات تمرحله الزمني، وهو بالنسبة لمنطقة المدينة وأدبائها بمثابة الأب والأستاذ والمعلم. وأشهد أنه كان حريصاً على تشجيعهم ودعمهم، وقد كان الداعم الأبرز وراء طباعة ديواني الأول في النادي الأدبي بالمدينة، وغيري من الأدباء الشباب في تلك الفترة، كما أستعيد بالحب والتقدير حرصه على وصول النادي إلى المحافظات، فلبى دعوة لإقامة أمسية شعرية في ينبع بدعوة من التعليم عام 1415ه، كما شارك بعدها في التهيئة لأمسية شعرية في ينبع الصناعية وفي بدر، ليعاود الزيارة إلى ينبع بعده بثمان سنوات بأمسية شعرية في ينبع شاركه فيها الشاعران الوافي والحجيلي». وقال الرفاعي: «مما سبق يتبين مدى حرص الراحل الخطراوي على دعم الأدب والثقافة في المنطقة، ودعم الأدباء الشباب وتقديمهم، وتلك هي «الأستاذية» التي تضعه موضع الريادة والتأثير. رحم الله أديبنا الخطراوي الذي لم يقتصر دوره على المنطقة، وإنما تجاوزها إلى الوطن بأكمله بل والوطن العربي، عبر مؤلفات وأطروحات وإسهامات علمية عبر منابر متنوعة ومشاركات متعددة، وإن ألم الفقد شديد، لكن الموت نهاية حتمية والحياة يخلدها الأثر الصالح والعمل الطيب والسيرة الحسنة. وقد ترك إرثاً علمياً أعلن عن وقفه لله تعالى. أصدق الدعوات بأن يتغمده الله برحمته ويلهم محبيه الصبر، وكلي ثقة بلفتة وفاء تجاه هذا الرمز الذي أحب طيبة بصدق فاحتضنته، وفي بقيعها أوسدته». وعلى امتداد حياته الحافلة وضع الخطراوي مؤلفات عدة مهمة، منها كتاب «الرائد في علم الفرائض»، و«شعراء من أرض عبقر» (دراسة لمجموعة من الشعراء السعوديين جزءان)، «شعر الحرب في الجاهلية بين الأوس والخزرج»، «المدينةالمنورة في العصر الجاهلي» (دراسة للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية)، «المدينةالمنورة في العصر الجاهلي» (الحياة الأدبية) وسواها. وإلى جانب نشاطه في التأليف، قام بتحقيق العديد من المصنفات التراثية الهامة منها: «الفصول في سيرة الرسول للحافظ بن كثير»، «المقاصد السنية في الأحاديث الإلهية» للحافظ أبي القاسم علي بن لبان المقدسي، «عارف حكمة – حياته و مآثره»، «ديوان محمد أمين الزللي»، وغيرها. وجادت قريحة الخطراوي بالعديد من الدواوين الشعرية منها دواوين: «غناء الجرح»، «همسات في أذن الليل» ، «حروف من دفتر الأشواق»، «تفاصيل في خارطة الطقس»، «مرافئ الأمل»، «تأويل ما حدث»، «أسئلة الرحيل».