وجد المصريون أنفسهم كالعادة على مدار ال16 شهراً الماضية غارقين تماماً في بحور التأييد والتعضيد ومحيطاتهما تارة، والشجب والتنديد تارة أخرى. وبين توصيفات جادّة، على غرار «أول قرار مستقل لرئيس منتخب»، كما رآه الروائي علاء الأسواني، أو «إهدار للسلطة القضائية ودخول مصر في غيبوبة دستورية»، كما وصفه المعارض البارز محمد البرادعي في تغريدة، فوجئ المصريون بطوفان آخر من النكات المبكية المضحكة التي انفجرت من رحم القرار. وعكست النكات كذلك تأييد عودة المنحلّ أو شجبها، كلٌّ وفق أهوائه وميوله ودرجة ثوريته، فمحبو جماعة «الإخوان المسلمين» ومؤيدوها وداعموها تفكهوا في ما بينهم حول «مناحة التوك شوز» المتوقعة في كل ليلة رداً على قرار عودة مجلس الشعب، باستثناء قناتي «مصر 25» التابعة ل «الإخوان» وقنوات «الجزيرة» والقنوات الدينية المصرية الخاصة. أما معارضو الجماعة، أو على الأقل معارضو قرار عودة البرلمان، فكانت لهم اليد العليا في إطلاق النكات التي على ما يبدو أصبحت سلاحهم الوحيد في الوجود على الساحة، فهناك من رأى أن الرئيس مرسي حين أدلى بالقسم قال: «أقسم بالله أن أحترم الدستور والقانون في ما لا يخالف مصالح الإخوان». لكن مصالح «الإخوان» لا تقف عند حدود المشهد السياسي، بل تمتد أيضاً إلى المجال الكروي، وربما هذا ما دفع الناشط الإسلامي محمد يسري سلامة إلى تغريدة أكد فيها الخبر التالي: «الرئيس مرسي يصدر قراراً بفوز الزمالك (ناديه المفضل) على تشلسي الغاني 4/3 بالعافية». ومن كرة القدم إلى العلاقات الإنسانية، رأى آخرون في ما يحدث وكأن مصر أضحت «ملك يمين الإخوان». ويبدو أن معارضي «الإخوان» غرقوا في أحلامهم إلى حد الثمالة، فحلّق البعض بخيالاته إلى درجة مناشدة الرئيس: «يا ريس إحنا دخلنا في الجد، قفِّل الجاكتة، والبس القميص الواقي لو سمحت». وسواء ارتدى الرئيس القميص الواقي أو لم يرتده، فإن ذلك لن يؤثر على تأجج المعركة التنكيتية والحرب التبكيتية بين فريقي المصريين المختلفين على قرار عودة البرلمان، وهو القرار الذي مازالت الغالبية تتخبط في غياهبه الدستورية، فيخلد البعض إلى النوم على صوت فقيه دستوري يؤكد أنه، بما لا يدع مجالاً للشك، قرار باطل ولا مجال لتنفيذه، ثم يستيقظ بعد ساعات على نبرة حماسية ثورية لأستاذ قانون دستوري يجزم ويقسم بأغلظ الأيمان، أن ما فعله مرسي من صميم صلاحياته الدستورية. وبين دخول الحمام ثم الخروج لتناول القهوة دقائق عدة لكنها كفيلة بوقوع أحداث جسام تُخِلّ بالبناء الدرامي للأحداث، يقف المواطن حائراً ويضرب كفاً بكف ويقول: «بلد عجيبة. تغيب عشر دقائق وترجع تلاقي نفسك مش فاهم حاجة». ولا يمكن إغفال من رأى في قرار عودة البرلمان رغم أنف المحكمة الدستورية مشهداً درامياً يستحق التحليل، وليس بالضرورة التأييد أو التنديد، فها هو رئيس مجلس الشعب المنحل العائد سعد الكتاتني يقف في صورة معبرة مصحوبة بجملة: «العين صابتني ورب العرش نجاني»، وها هي النائب عن حزب «الحرية والعدالة» صاحبة وجهة النظر الشهيرة بأن التحرش هو خطأ الفتاة المتحرَّش بها عزة الجرف، مذيَّلة بعبارة: «راجعالكم يا غجر»، ولا يمكن إغفال النائب المثير للجدل وصاحب براءة القسم البرلماني المضافة إليه عبارة «بما لا يخالف شرع الله»، وصاحب ابتكار رفع الآذان بنفسه داخل قاعة مجلس الشعب أثناء أعماله ممدوح إسماعيل، وقد رجح أحدهم أن يكون قد اشترى مدفع رمضان ليطلقه يومياً في أروقة المجلس. حتى الزلزال الذي ضرب مصر في الرابعة بعد ظهر أمس، فسره البعض بأنه «رقصة أرضية احتفالاً بعودة المجلس»، في حين أكد البعض أنه تعبير ريختري عن فداحة القرار. المؤكد أن كل ما يحدث حالياً هو «عروض قتالية» تثبت حنكة الجميع في تحليل ما خَفِيَ من أمور.