منذ فترة طويلة ولدي رغبة شديدة أن أصطحب وزير النقل في السعودية ووكلاء وزارته في رحلة ميدانية على الشوارع والطرقات، بعيداً من الرسميات. رحلة مستعد أن أتحمل تكاليفها، وأعد أنه خلال الزيارة سأوفر كل متطلبات الرحلة من مياه باردة ومرطبات وعلبة مناديل، إلى جانب حبوب الصداع وكمامة. ومدة الرحلة لن تكون سوى خمسة أيام إنما بمواعيد مختلفة وليست متصلة. ننطلق من الرياض وموقع حافلات النقل الجماعي، سأطلب من الوزير ومرافقيه عدم الإفصاح عن هوياتهم، وأن يأخذوا راحتهم في اللبس، هل تشاهد شكل الحافلة القذر من الداخل والخارج، ومقاعدها المهترئة والجو الساخن داخل الحافلة، هذه الحرارة لأن الحافلة غير مكيفة، هل شاهدت ملابس السائق؟ لا تهتم، معظمهم لا يهتمون بملابسهم ولا بنظافتهم وحتى بمظهرهم، قد تستغرب من رائحة الدخان بالتأكيد هذه هي حال الركاب، يقضون وقتاً طويلاً داخل الحافلة ويستنشقون الدخان ورائحة العرق في هذا الحر، الصندوق الصغير الذي تشاهده في الخلف هو مخصص للنساء، صحيح لن تجد سيدات سعوديات أو من جنسيات أخرى. والسبب أن السائق لا يلتفت لندائهن ومطالبهن بالتوقف، كما أن الصندوق قذر، هل لاحظت كيف هي قيادة سائق الحافلة، وهل لاحظت كيف أنه لا يوجد انضباط في تحرك الحافلات، الأمور بالبركة، لا تسأل عن مواقف انتظار الركاب في الطرقات... في الحقيقة لا توجد، الناس يقفون في الشارع، وهناك أماكن وأحياء لا يصلها خدمات النقل الجماعي، على فكرة، هذه الحافلة التي أنت عليها الآن عمر شركتها أكثر من 35 عاماً، وتحتكر النقل داخل المدن، ومع ذلك لا تقدم خدمة راقية. بالطبع ستستغرب أن مشواراً واحداً استغرق كل هذا الوقت، والسبب نقص الحافلات ونقاط السير، أما استخدام التقنية في دفع أجرتها فهي بعيدة تماماً، لهذا فإن 60 في المئة من ركاب الحافلات في السعودية يستخدمون حافلات أخرى وأشهرها «خط البلدة» على رغم خطورتها. اليوم الثاني سأصطحب الوزير في حافلات «خط البلدة»، من الضروري ألا تلتفت إلى ملابسهم، إنهم البسطاء الفقراء المحتاجون، الذين يكدون طوال النهار على حافلاتهم، يطيرون في الشوارع بطريقة تجعلك تمسك قلبك وتبدأ في قراءة كل الأدعية التي تجنب الكوارث ما ظهر منها وما بطن، المقعد الذي تجلس عليه ليس مقعداً، إنما سست وجلد، مليء بأعقاب السجائر، والهواء العليل، هؤلاء يعملون ليملؤوا بطوناً جائعة، يحتاجون إلى توجيه ودعم وأيضاً إلى تنظيم لتحسين خدماتهم، وأيضاً بما يليق بالركاب، لا يمكن للعاطفة أن تفسد خدمات مهمة للركاب، لماذا لم تفكر في منح تراخيص لحافلات وشركات نقل أخرى ، هل يرضيك أن يهين الإنسان نفسه في حافلة أجرتها ريالان، نسيت أن أقول لك معظم الناس بعد أن ينزلوا من هذه الحافلة يسجدون لله شاكرين لأنهم وصلوا بسلام، ومعهم زجاجة عطر في جيبهم، فالحال لا تطاق، إنها الفوضى في النقل. ربما تسألني كيف تصعد المرأة مثل هذه الحافلات، أقول لك لا مكان للمرأة في الحافلات، وقبل فترة قُدِم لوزارتكم مشروع حافلتي، وهو مشروع لتخصيص حافلات لنقل النساء إنما لا تهتموا لمثل هذا المشروع. أقترح عليكم مغادرة الباص ويجب أن تملكوا المهارة في النزول فيما الباص يسير. في اليوم الثالث خصصت مفاجأة لوزير النقل ومرافقيه، فأوقفت لهم سيارة أجرة «ليموزين»، قد لا تصدقون أنها متهالكة معدومة، العداد لا يعمل، السائق السعودي يلبس الثوب، والمقيم يلبس البدلة، أكيد ستستغرب إنما هذه هي الحقيقة، حال سيارات الأجرة جميعها هكذا، السائق لا يعرف الطرقات، معظمهم يأتون إلى المهنة لفترة قصيرة ويغادرونها، مظهر جميع سيارات الأجرة متهالكة، السائق لا يحترم الراكب، يشعل السيجارة، سيارته لا تتوفر فيها المعلومات الكافية، وتسمع أصواتاً غريبة، موديلات وصيانة غير موجودة، إن سألته عن موقع الإدارات الحكومية لا يعرف، فجأة تجد عشر سيارات أجرة تسير مع بعض، يطيرون بالراكب بشكل مخيف، وإن سألت السائق قال لك إن المبلغ المطلوب لتغطيته يومياً كبير ولابد أن يجتهد، لا أحد يراقب هؤلاء، أما السائقون السعوديون الذين يملكون سيارات أجرة وتحت مظلة المؤسسات، فهؤلاء مزاجيون. أنصحك إذا نزلت في أحد المطارات السعودية بعدم استخدام «ليموزين»، فهي لا تشرف من نوعية السائقين، وعدم التزامهم بالسرعة، وعدم احترامهم للراكب، فضلاً عن أنها قذرة، بالتأكيد ستجد سيارات أخرى يقف بجوارك أصحابها ويهمسون في أذنك «الحقني الباركنغ»، 54 في المئة من سيارات المطار يعمل فيها أصحاب السيارات الخاصة، عفواً هذا لا يخصكم فهو يهم المرور. هذه الرحلة الرابعة التي ستكون في رمضان والحج، أريد من الوزير أن يرى حجم السيارات الخاصة التي تعمل في نقل الركاب، ما رأيك في سيارة تنقلك من جدة إلى مكة، لا تخف ، هؤلاء يترزقون، إنهم يحلون مشكلة البطالة، إنما أنتم لم تتمكنوا من حل مشكلة النقل وتنظيمها، حياة الناس في خطر، وهذه الحال أمام الحرم المكي الشريف في رمضان، أسعار عالية جداً تصل إلى 200 في المئة، زيادة في الأسعار والسبب أن النقل العام في مكة «فوضى»، جميع أهالي مكة تحولوا إلى سائقي حافلات وأجرة بعد أن أصبح المكسب فيها عالياً جداً ومربح. قبل أن أصطحب وزير النقل في اليوم الخامس أشاطره الأحزان في المصابين في حادثة انقلاب قطار الدمام - الرياض، الذي وقع الأربعاء الماضي، سأطلب أن ترافقنا في هذه الرحلة طائرة عمودية، ربما نحتاجها خلال الرحلة متى ما استدعى الأمر، رحلة القطار. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon