منذ إعلان فوز مرشح جماعة «الإخوان المسلمون» محمد مرسي بمقعد الرئاسة في مصر، والحديث لا ينقطع عن مخاوف إزاء مستقبل الثقافة في البلد وأخطار تهدد الحريات، بخاصة حرية الفكر والإبداع. والشعور بالخطر له ما يبرره، بالنظر إلى ما تعرض له مثقفون مثل نجيب محفوظ وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد، تحت ضغط من المتطرفين، لكنه في الوقت نفسه قد يكون نتاج فضاء إعلامي يصور «الإخوان المسلمون» بصفتهم طائفة تعادي الثقافة والإبداع في شكل مطلق. الروائية رضوى عاشور تشعر بالقلق على «مصير البلد وما علينا مواجهته لتحقيق مطالب الثورة، بصفتها عملية صعبة ومركبة». وترى صاحبة «ثلاثية غرناطة» أن القلق المتعلق بالحريات بعضه له ما يبرره، وبعضه الآخر - البعض الغالب - نتاج لآلة إعلامية جهنمية «تسيطر على الفضاء الثقافي والإعلامي وتعمل على شيطنة الاتجاه الإسلامي وترويع الناس منه: سيمنعون النساء من النزول للعمل، سيفرضون النقاب على النساء، سيقيدون السياحة. سيحولون دون حرية الفكر والإبداع... إلخ وتؤكد عاشور أن «مصر تغيرت، ولن يتمكن أحد من فرض ما لا نريده علينا. أثق أن الثورة مستمرة، وأننا مطالبون بمراقبة أداء الحكم والتعبير عن أنفسنا والضغط المستمر لتكون كل السلطة للمنتخبين أولاً، ثم ألا يتنازل عنها المنتخبون ولا يتقاسموها مع بقايا النظام القديم». سجون وحرائق وتستنكر عاشور موقف بعض القوى اللبيرالية «ترفع صوتها في ما يخص حرية الفكر والإبداع، ولكنها تصمت أو لا تشعر بتهديد مشابه حين يُعذب الناس في السجون أو خارجها حتى الموت. وحين تحرق الكنائس بتدبير وزارة الداخلية، وحين تدهس السيارات البشر قصداً، أو حين يتواطأ بعضهم مع ممثلي النظام الساقط». وتستطرد: «تربكني النخبة وتحزنني حين تتشدق بالديموقراطية وترفض أن تكتسب شرائح من الشعب المصري حقها في الحضور العلني في المشهد والتعبير عن نفسها ورأيها، وهي شرائح تنتمي غالبيتها إلى أحزمة الفقر والجوع». وتبدي عاشور دهشتها من تذمر البعض من وصول «الإخوان» إلى مقعد الرئاسة «لا أفهم التشدق بالديموقراطية، ثم التذمر ليل نهار حين يصل الإخوان إلى البرلمان وإلى مقعد الرئاسة عبر صناديق الانتخاب. علينا أن نتعلم ثقافة الاختلاف ونعلمها لمن يحكموننا. واستبشرت خيراً من استعداد محمد مرسي للتحالف مع قوى وطنية غير إسلامية. لنعطه فرصة. وأيضاً لنتذكر دائماً أهمية أن نعزز تجربتنا الديموقراطية ونحتفظ لأنفسنا بحق المراقبة والمعارضة». الروائي صنع الله إبراهيم لا يخفي شعوره بالقلق، لكنه يؤمن في الوقت نفسه بأن «التطورات التي ستشهدها المرحلة المقبلة ستكون هي الحاسمة». ويقول صاحب «تلك الرائحة» إنه «مطمئن تماماً لأن حركة الشارع تقوم بدورها في مقاومة كل ما هو سلبي». ويستشرف القاص سعيد الكفراوي مستقبل الثقافة والإبداع في مصر عبر احتمالين، الأول من خلال معرفته بتاريخ جماعة «الإخوان المسلمون» وأيديولوجيتها الفكرية عبر مسيرة عمرها 80 عاماً. يقول الكفراوي: «هي أسيرة رؤية محددة إزاء الماضي والحاضر والمستقبل. هذا لا يجعلني مطمئناً على الثقافة والإبداع، خصوصاً في ما يتعلق بالمبدعين الجدد ومغامراتهم الإبداعية». ويستطرد: «أما الاحتمال الثاني، فهو أن يكونوا قد تأملوا متغيرات العصر، وأن لا يكونوا هم الذين أنتجوا الماضي، ويتأكدوا أن بنية الأشياء لم تتغير على الساحة المصرية فقط ولكن في العالم كله، وأن هذه البنية طرحت أسئلة جديدة على الكون، وأن الأدب أصبح فعل حرية، فتتغير نظرتهم إلى الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي». ويرى صاحب «كشك الموسيقى»، أنه في حال غلبة الاحتمال الأول فإنه يجب على المعارضة الليبرالية أن تتحد، ففي عز حقب الاستبداد التي أعقبت ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 كان للثقافة المستنيرة موقف معارض دفعت ثمنه في السجون والمعتقلات. ويضيف: «كنت في أحيان كثيرة أنظر إلى ميدان التحرير في الأيام التي تلت 25 كانون الثاني (يناير) 2011، فإذا بي أرى أمل دنقل ونجيب محفوظ ومحمد عفيفي مطر، هؤلاء الذين شكلوا المعارضة الثقافية والإبداعية في مواجهة سلطة القمع». ويتابع «هذه الإمكانية ما زالت قائمة لمواجهة أي تجاوز من سلطة الحكم ولا تنفي أن الميدان ما زال حياً وخروج الشباب ما زال حياً وإمكانية تجميعهم ما زالت متوافرة. أنا شخصياً في انتظار الاحتمالين من الإخوان». في حين ترى الكاتبة مي التلمساني أن «الإخوان المسلمون» طائفة دينية منغلقة على نفسها وعلى ثقافتها الخاصة بالمعنى الفاشي والإقصائي، «فهي لا تؤمن بالثقافة إلا في معنى قاصر ومحدد للثقافة الإسلامية باعتبارها ثقافة أخلاقية، وقد انتقت من التراث العربي الإسلامي ما يوافق هوى دعاة الرجعية من أقطاب الجماعة وأنصارها على مدى تاريخها واستبعدت ما لا يتلاءم مع فكرها الأصولي». ضد الابداع وتضيف «جماعة الإخوان لا تؤمن بأن للثقافة دوراً إيجابياً في المجتمعات الحديثة، بل وتسعى لوأد الإبداع والحريات بالأشكال كافة وباستخدام مبررات واهية من قبيل الدفاع عن الدين مما يتهدده في الثقافات العالمية الحديثة، وكأن هذا الدين ضعيف ومهدد وهو بريء من هذه الادعاءات السلطوية التي تهدف، قبل كل شيء، قيادة قطيع من المغيبين أو تغييب مفهوم العقل والحريات العامة من قاموس الممارسات الفنية والإبداعية والثقافية، بحيث تصبح المرجعية الوحيدة هي مرجعية التفسير الديني، والأفق الوحيد هو الأفق الأُسري، والهدف الأول هو السيطرة والقمع الفكري والمجتمعي». وتشير «أخيراً ظهر من ينادي بإنتاج أفلام ومسلسلات وأغنيات إسلامية تذاع في قنوات التلفزيون الإسلامية، وذلك بدعوى ضرورة ملاءمة الفن والثقافة للأسرة المسلمة، مقصية تماماً فكرة الفرد من قاموسها الرجعي، ومقصية مفهوم الفنان الحر من هذا القاموس نفسه». وتؤكد التلمساني أن الإسلام بريء من دعاوى القصر والإقصاء والحجر على الحريات التي تمارسها الجماعة وتنشرها عبر أدبياتها وتفاسيرها، وهي تفاسير ذكورية أبوية رجعية فرضت علينا في عصور الاضمحلال الفكري وفي سياق استعماري ما زلنا نعاني من تبعته حتى اليوم. هذه التفاسير تتجدد بتجدد الظرف الاستعماري، بخاصة بعد أن وقعنا فريسة الاستعمار الثقافي الذي يتكئ على الهيمنة الاقتصادية والدعم الأميركي، والذي مورس علينا منذ الثمانينات وحتى وقتنا الراهن». ويرى الكاتب جمال الغيطاني أن الأخطار التي تهدد الحريات زادت عن ذي قبل، مشيراً إلى أن لدى الإخوان مشروعاً عمره 80 عاماً يريدون عبره تغيير شكل الدولة المصرية وصوغها من جديد. ويضيف صاحب «الزيني بركات» أن «الإخوان» يخططون لإعادة صوغ بعض المؤسسات المهمة مثل القضاء والداخلية، وهدفهم الرئيس هو اختراق مؤسسة الجيش. ويقول الغيطاني: «معرفتي بتاريخ الإخوان تجعلني شديد القلق في ما يخص الحريات العامة ومن بينها حرية الفكر والإبداع». ويضيف «ما يدهشني هو ظهور قطاعات من شباب الثورة على شاشات التلفزيون وحديثهم عن محمد مرسي بصفته مرشح الثورة وأن فوزه في الانتخابات الرئاسية تحقيق للثورة وإنجازاتها. مرسي لا علاقة له بالثورة، ووصوله إلى مقعد الرئاسة وتمكين جماعة «الإخوان المسلمون» من السلطة تم بدعم أميركي وتفاهم بين المجلس العسكري والجماعة، وهذا يجعلني متشائماً وخائفاً على مستقبل مصر. علينا الآن أن نراقب الوضع حتى نرى إلى أين ستسير الأمور».