تشبيه وضع سورية بوضع العراق قبل عشر سنوات وبوضوح تام، ومن دون لبس، من جانب وزير خارجية العراق هوشيار زيباري ليس حدثاً عاديّاً كما انّه لا يعتبر زلة لسان. فالرجل تحدّث علناً بأن العراق إلى جانب سورية لا إلى جانب النظام. وهذا يعني اننا أمام تطور جديد في مقاربة العراق للثورة السوريّة. لكن في المقابل علينا ألا ننظر ببراءة إلى هذا التطور الخطابي بعدما كان معروفاً حتى أمس قريب ان العراق يقف إلى جانب النظام ومنذ بداية الثورة، ولا أن يُصنف ضمن إطار التطور الطبيعي الذي يحصل (عادةً) في المواقف السياسيّة والديبلوماسيّة لدولة تجاه دولة أخرى، حيث تتغير مواقف الدول. ولا نستغرب انّ الكثير من الأطراف المعارضة السوريّة كانت تراهن على دور ايجابي سيلعبه العراق تجاه الثورة، ولعل سبب هذا الرهان يعود إلى معاناة العراقيين أنفسهم من النظام السابق. لكن أن تنظر حكومة المالكي إلى الثورة كما لو انّها موجهة ضدها، وأن نجاحها يعني فقدان العراق لتلك الجوهرة السورية، فهذا ما يخلق المفارقة الكبرى! والحق انه لا يمكن معرفة سبب التغيير الذي حصل في لهجة الديبلوماسيّة العراقيّة إلا من خلال عدد من العوامل: 1- ذكر أكثر من تحليل سياسي أنّه تم حدوث تفاهم بين روسيا وأميركا حول كيفيّة حدوث التغيير في سورية، ووفق تلك التحليلات مرهون بشرط التوازن بين النفوذين السعودي والإيرانيّ في المنطقة على أن يُحد من نفوذ إيران في لبنان والعراق مقابل بقاء النظام ولو شكليّاً إلى نهاية 2014، الأمر الذي دفع بالعراقيين للقراءة الجديدة وبناء خطاب منسجم مع هذا السيناريو. 2- التوتر الحاصل بين الأقطاب السياسيّين العراقيّين قد يكون سبباً لظهور مثل هذا الخطاب الجديد المساند للثورة، ولو معنويّاً، وقد يكون سبب هذا الخطاب رغبة المالكي في إيصال رسالة إلى إيران بأنه إذا تخلت إيران عنه، فإنّ لديه توجهاً آخر. ومن يدري ربما يعود سبب هذا التوجه في الأصل إلى السيد مسعود البارزاني. أي أنّ الخطاب الجديد يعبّر عن إرادة حكومة أربيل، وليس حكومة بغداد. فالبارزاني كأنه يحذّر المالكي من أنه يستطيع إحداث خلل في بغداد إن لم يتغير الموقف حيال دمشق، كأنْ ينهار التحالف القائم بين الكُرد والمالكي. في الحالتين، فالخطاب العراقي الجديد، حتى لو كان لأجل توظيف سياسي معين، يساعد الثورة السورية ويرفع من معنويات الثوار ومجتمع الثورة، وقد أتى في زمن مهم وحساس جداً بالنسبة الى المعارضة السوريّة التي تشتغل على بلورة رؤيّة موحدة. لكن السؤال يبقى: هل سيحافظ العراق على خطابه الجديد بالنسبة إلى سورية؟ راغدة درغام – بيروت