في لقاء مع أمهات التلميذات في المدرسة، استرعى انتباه الجميع رد من إحداهن بأن الإنترنت قلبت حياة أسرتها. ردها جاء محملاً بمشاعر مؤلمة عن أثر استخدام الإنترنت في المنزل: «لم أعد أجتمع مع أطفالي لتبادل الحديث والتسامر أو مناقشة أمر عائلي، كل ما في الأمر أنهم أصبحوا ينهون تناول طعامهم بسرعة ليهرولوا إلى أجهزتهم، يغلق كل منهم باب غرفته متشبثاً بجهاز الكمبيوتر أو الآي فون، ويعيش أجواءه الخاصة». التقنية الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت متّهمة بالدرجة الأولى بأنها أحد أسباب تدهور العلاقات الأسرية، وساهمت في إفساد الإحساس الاجتماعي لدى الأفراد، ولئن كانت بالتأكيد قرّبت البعيد فإنها في الوقت ذاته أبعدت القريب وفرضت حول من يستخدمها نوعاً من العزلة والوحدة والانقطاع عن الحياة العامة والاجتماعية. ويبدو هذا التأثير واضحاً في المجتمعات العربية التي اعتاد العلاقات الأسرية العميقة والوثيقة. ويعلّق أستاذ علم النفس الاجتماعي راشد الغمار على هذا الاتهام قائلاً «لا يمكن لوم الأمهات على مشاعرهن تجاه هذه الظاهرة، لأن العديد من العيادات السلوكية الآن أصبحت ترد إليها مشكلة إدمان الشباب والأطفال لمواقع شبكات التواصل الاجتماعي، إذ يمضي بعضهم أكثر من 8 ساعات يومياً أمام أجهزتهم، وفي الوقت نفسه لا يمكن لوم الأطفال والشباب على هذا الأمر فالأسر السعودية تنقصها ثقافة الانضباط داخل المنزل». ويوضح: «كثير من المنازل تحوّلت إلى ما يشبه الفندق بالنسبة إلى الأولاد الذين لم يعتادوا على وقت اجتماع عائلي حول وجبة ما، ولا توجد قوانين داخل المنزل لتنظيم هذه الأمور». ويضيف: «غالبية الأسر تحكمها عواطف التدليل المبالغ فيها، ولم يعتد الأبناء على نظام أسري يكرّس وقتاً للحديث والحوار مع الوالدين، أو الخروج معاً أو الجلوس لمشاهدة فيلم أو مباراة أو متابعة برنامج محبب». ويلجأ الأطفال السعوديون إلى استخدام أساليب للتحايل من أجل تسجيل حسابات لهم على الشبكة العنكبوتية التي تحظّر التسجيل لأقل من 16 عاماً. وتغيب في كثير من الأحيان الرقابة الأسرية على حسابات الأبناء لمعرفة ما الذي يشاهدونه أو مع من يتواصلون. وكرّس حمل كل فرد جهازه الخاص بعيداً من الأنظار غياب هذه الرقابة، لذا تحصل تجاوزات وإساءات كثيرة. ويبدي بعض المراهقين انزعاجه من رأي الأهالي، ويقول ثامر: «لا أعرف لماذا ينظر الأهل إلى هذه البرامج وكأنما هي رجس من عمل الشيطان، فالتقنية تساعدنا كثيراً على تنمية معرفتنا، وليست بالضرورة أمراً سيئاً». وعمّا إذا كان يرى أيّ سلبيات لتمضية ساعات طويلة أمام الكمبيوتر يقول: «هذا يجعلنا نكتنز الكثير من الشحوم والترهلات في أبداننا فقط». وخلصت دراسة قدّمتها الباحثة الهام العويضي، على عينة مكونة من 200 أسرة من أجل رصد «اثر استخدام الإنترنت على العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة السعودية»، إلى أن هناك نسبة مرتفعة من العينة ترى أن للإنترنت تأثيراً سلبياً على حياتهم داخل الأسرة، موضحة أن هناك فروقاً ذات دلالة معنوية بين مدة استخدام الزوج للإنترنت وبين تأثير هذا الاستخدام على العلاقة مع الزوجة. ويحمّل الغمار، مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية المسؤولية الأولى عن تنامي هذه الظاهرة، موضحاً أن: «غياب النشاطات الجاذبة والترفيهية والتطوعية للمراهقين والأطفال، أوجد سيطرة للنمط الاستهلاكي في الترفيه، وأصبح الحصول على أجهزة تقنية حديثة غاية الأطفال منذ سنواتهم الأولى».