حاولت كثيراً استيعاب شرط «كفيل غارم» الواقف في طريق «المحتاج» أينما أراد اقتناء حل لضائقة مالية من خلال شراء سيارة وبيعها، أو اقتراض مبلغ مالي بطريقة إسلامية أو ربوية، فبعد عناء أدركت أن الكفيل الغارم لا ينال من «معاملة القرض» أي مكسب مالي، لكنه في حالات كثيرة يدفع أياماً أو أعواماً من عمره في السجن، لأنه وضع اسمه وتوقيعه في خانة كفيل غارم في عقد لا يعلم تفاصيله. تبسيط «كفيل غارم»: مثلث مكون من أقطاب ثلاثة غير متكافئة، اختصارها سعودي، يكفل سعودياً ويتعهد بسداد التزامه المالي لمصلحة سعودي ثالث، بغض النظر في ما إذا كان فرداً أو كياناً اقتصادياً، ها هنا يكون «الغارم» إشارة إلى استعداده لدفع غرامة من ماله وعمره كبديل عن المقترض المتمتع بالمال أو السلعة، وعلى رغم أنني لا أمتلك إحصاءً دقيقاً عن عدد الواقفين خلف قضبان سجن من «الكفلاء الغارمين»، لكن أتوهم بأنه مرشح للزيادة شهرياً. تمت ولادة قانون «الكفيل الغارم» تحت سماء قديمة، كانت تخلو - آنذاك - من وجود كوادر بشرية وتقنيات تستطيع العثور بسهولة على «أحدهم» إذا غادر دياراً اقترض منها إلى ديار بعيدة، لكن «شمس» التقنية الجديدة ترصد حتى ما كان يهمسه خالد في أذن موسى وهما على طاولة مقهى تعصف به ضوضاء صادرة من أجهزة تلفاز متعددة وبينهما صراخ نادل جمر. يصبح التمسك بالثقافة الأمنية المالية المسماة «كفيل غارم» مصدر إحراج للمقترض، والكفيل معاً، وباب خصومات بين الأهل أو الأصدقاء، إضافة إلى أن أجهزة الدولة تصبح معنية بمناقشة، أو ملاحقة اثنين «المقترض والكفيل» بدلاً من واحد، بينما لا الدولة ولا الكفيل يحوزان على جزء من القرض كأتعاب تحصيل ديون للجهات الرسمية، أو كتعويض عن إرهاق نفسي ومالي يصيب الكفيل. يصيبني الجنون عند تصفح عقد مالي يحدد بدقة حقوق صاحب المال، وواجبات المقترض والكفيل، دقة حادة جداً، لكن لا يوجد ضمن بنود هذه العقود ما يحدد واجبات والتزامات المقترض تجاه من يكفله، بمعنى آخر «تلبيس طواقي» ونقل كامل مسؤوليات القرض من المقترض إلى الكفيل، يحدث هذا النقل بإشراف جهات رسمية وحرصها من أول «شخطة توقيع» على الإمساك بتلابيب الكفيل الغارم. أتت التقنية عالمياً بأساليب عصرية لإقناع مؤسسات الحكومات بأهمية تقليص عقبات الحياة اليومية عدداً وحجماً، لكن إستجابة بعض أجهزة الدولة للحلول التقنية أقل من غيرها، فبينما تجديد إقامة عامل أجنبي تستغرق عشر دقائق أو أقل فإن تجديد بطاقة الهوية للمواطن السعودي تستغرق أياماً أو أسابيع، هنا الشكر واجب لجهاز الجوازات السعودي شقيق جهاز الأحوال المدنية. تحقيق إسقاط شرط «الكفيل الغارم» في معاملات مالية بين السعوديين «على أقل الاحتمالات» سوف يجبر كيانات اقتصادية سعودية عملاقة على تخفيف عدد صادراتها إلى السجون من السعوديين المتعثرين بالسداد، كذلك يخفف من قوة اندفاعها نحو الإسراف في «تصريف» منتجاتها، أو قروضها اعتماداً على قوة القانون وشبح السجون. [email protected] @jeddah9000