بقيادته "لا فوريا روخا" إلى لقب كأس أوروبا 2012 لكرة القدم بالفوز على إيطاليا برباعية نظيفة في المباراة النهائية على الملعب الأولمبي في كييف. كان فنسنتي دل بوسكي "الهادىء" على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، كونه يشرف على أفضل منتخب في العالم وحمله إلى إنجاز تاريخي لم يسبق لأي منتخب أن حققه في السابق وهو "الثلاثية الكبرى" أي كأس أوروبا 2008- كأس العالم 2010- كأس أوروبا 2012. وكرر دل بوسكي (61 سنة) سيناريو 2008 عندما أطاح بالإيطاليين من الدور ربع النهائي، وحصد لقباً كبيراً ثانياً بعد ذلك الذي سطره في تموز (يوليو) 2010 المتمثل بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخه. وبات ثاني مدرب فقط يتوّج بلقب المونديال وكأس أوروبا بعد الألماني هلموت شول الذي حقق هذا الأمر مع ألمانياالغربية في كأس أوروبا 1972 ثم كأس العالم 1974. كما منح دل بوسكي بلده إنجازاً لم يحققه أي منتخب في السابق وهو الإحتفاظ باللقب القاري، وأضحى المدرب الوحيد في التاريخ الذي يتوّج بألقاب مسابقة دوري أبطال اوروبا للاندية (مرتان عامي 2000 و2002 مع ريال مدريد) وكأس العالم وكأس اوروبا. وقد أصبحت الإنجازات متلازمة المسار مع "لا فوريا روخا" الذي تصدّر تصنيف ال"فيفا" للمرة الأولى في تاريخه عام 2008 ثم عادل الرقم القياسي من حيث عدد المباريات المتتالية من دون هزيمة (35)، بينها 15 إنتصاراً على التوالي (رقم قياسي). كما أضحت إسبانيا بقيادة دل بوسكي، الذي بات صاحب الرقم القياسي من حيث عدد الإنتصارات مع المنتخب (51 إنتصاراً في 61 مباراة في مقابل 38 فوزاً لسلفه لويس أراغونيس)، أول منتخب يتوّج بلقب كأس العالم بعد خسارته المباراة الأولى في النهائيات. ونجح الرجل الهادىء الذي يعمل تحت الرادار ومن دون الضجة الاعلامية التي تحيط بالمدربين الآخرين، في أن يجعل منتخب بلاده ثاني بلد فقط يتوّج باللقب الأوروبي ثم يضيف اليه اللقب العالمي بعد عامين، وكان سبقه إلى ذلك منتخب المانياالغربية (كأس أوروبا 1972 وكأس العالم 1974). من المؤكد أن دل بوسكي دخل تاريخ بلاده من الباب العريض بعدما قاد المنتخب الوطني إلى لقب بطل كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه، إثر فوزه على نظيره الهولندي بهدف من دون ردّ بعد التمديد في المباراة النهائية لمونديال جنوب أفريقيا 2010. وإرتقى دل بوسكي بامتياز إلى مستوى المسؤولية التي ألقيت على عاتقه بعد خلافة اراغونيس الذي قاد المنتخب إلى لقبه الأول منذ 1964، بعدما توّج بطلاً لكأس أوروبا 2008 على حساب نظيره الألماني (1-صفر)، فبات الرجل "الخالد" في أذهان شعب بأكمله. نجح رهان الاتحاد الاسباني على مدرب ريال مدريد السابق وتربّع "لا فوريا روخا" على العرش العالمي وإنضم إلى النادي الحصري للاًبطال، رافعاً عدد المنتخبات التي حملت الكأس المرموقة إلى ثمانية. وكسب دل بوسكي الرهان بفضل الأسلحة التي يملكها المنتخب المميز بلعبه الجماعي الرائع والقدرات الفنية المذهلة للاعبيه، وهو تحدّث عن فلسفته قائلاً: "كرة القدم رياضة جماعية بامتياز، لكنك تحتاج للفرديات أحياناً من أجل صنع الفارق وإختراق الدفاعات. نحن نملك مهارات فردية مميزة في كل خطوطنا، بدءاً بالحارس ومروراً بالوسط وإنتهاء بالهجوم، إذ تضم صفوفنا لاعبين مهاريين بارزين". سيبقى دل بوسكي دائماً في الأذهان بأنه المدرب الذي نجح في فك عقدة بلد بأكمله في العرس الكروي العالمي، ونجح في قيادة "لا فوريا" روخا إلى أبعد مما نجح فيه أي من المدربين ال49 الذين تناوبوا على رأس الهرم الفني للمنتخب الوطني. منذ أن تسلّم دل يوسكي مهامه مع المنتخب بعد كأس أوروبا مباشرة، قاده لمواصلة عروضه الرائعة ومسلسل نتائجه المميزة، ولم يلق أبطال أوروبا طعم الهزيمة بقيادته سوى 6 مرات في 61 مباراة، الأولى على يد الولاياتالمتحدة في نصف نهائي كأس القارات عام 2009 عندما وضع منتخب "بلاد العم السام" حينها حداً لمسلسل إنتصارات بطل أوروبا عند 15 مباراة، وألحق به هزيمته الأولى منذ سقوطه أمام رومانيا بهدف في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2006، فحرمه من تحطيم الرقم القياسي من حيث عدد المباريات المتتالية من دون هزيمة، ليبقى شريكاً للمنتخب البرازيلي في هذا الرقم (35 مباراة من دون هزيمة)، علماً أن الأخير سجله بين عامي 1993 و1996. أما المرة الأخيرة فكانت ودية أمام إيطاليا (1-2)، وجاءت بمثابة الإختبار الأول لمنتخب دل بوسكي في نهائيات كأس أوروبا (1-1) وستكون أيضاً الإختبار الأخير. السلس والمسالم يعتبر دل بوسكي نموذجاً للمدربين الهادئين الذين بإمكانهم المحافظة على رباطة جأشهم في الأوقات الحرجة، ويتمتع أيضاً بطبيعته المسالمة وبمقارباته المدروسة إضافة إلى قدرته على التعامل مع فرق تعج بالنجوم الكبار وهو ما سهل إستلامه السلس لرئاسة الإدارة الفنية للمنتخب من دون إهمال واقع أنه يعمل دائماً للمحافظة على وحدة لاعبيه الموهوبين وأدائهم. وخلافاً لاراغونيس الذي عُرف عنه طابعه الحاد ومواقفه المثيرة للجدل أحياناً، أدخل مدرب ريال السابق الهدوء والتحفظ والصبر إلى منصب المدرب، إضافة إلى التواضع. ويلتزم دل بوسكي بالحكمة التي تقول بانه "لا يجب العبث بتركيبة رابحة"، وإتخذها كمبدأ له منذ أن تسلّم مهامه مع المنتخب. وكان التغيير الوحيد الذي أجراه خلال هذه المسيرة حتى الآن هو تطعيمه ببعض المواهب الشابة من أجل المحافظة على الإستمرارية في النتائج والتنافس والنشاط على الأمد الطويل. لكن مدرب ريال مدريد لم يلتزم في نهائيات كأس أوروبا 2012 بمبدأه تماماً، إذ فاجأ الجميع بالمقاربة الهجومية التي إعتمدها في المباريات التي خاضها فريقه، حيث اشرك شيسك فابريغاس كرأس حربة أمام إيطاليا في المباراة الأولى، ثم إحتكم إلى فرناندو توريس أمام إرلندا (4-صفر) وكرواتيا (1-صفر) قبل أن يعود إلى فابريغاس أمام فرنسا في ربع النهائي (2-صفر) ثم يحتكم إلى ألفارو نيغريدو أمام البرتغال (4-2 بركلات الترجيح)، قبل العودة إلى فابريغاس مجدداً في المباراة النهائية. ما هو مؤكد أن دل بوسكي شخصية فريدة من نوعها، وبينما إشتهر معظم افراد أسرته في العمل في مجال السكك الحديد، إختار شخصياً ان يخوض مغامرة مهنية مختلفة، مفضلاً الاستجابة لرغباته الكروية ومواصلة مسيرته في عالم الساحرة المستديرة. وقد أثبت دل بوسكي انه يجيد التعامل مع الضغوط خصوصاً أنه اشرف على أشهر فريق في العالم وهو ريال مدريد من 1999 حتى 2003، فائزاً معه بلقب الدوري عامي 2001 و2003 ودوري أبطال أوروبا عامي 2000 و2002، ولم تجدد له إدارة النادي برئاسة فلورنتينو بيريز في ختام موسم 2003. طرق الاتحاد الاسباني باب دل بوسكي بعد كأس أوروبا 2008 ليخلف أراغونيس، فلبى ابن سلمنقة النداء الوطني ونجح في قيادة بلاده إلى نهائيات جنوب افريقيا بطريقة رائعة. ومن المؤكد أن دل بوسكي لم يخيّب ظن الشعب الإسباني بأكمله، بل خلق جواً توحيدياً في البلاد لدرجة أن مقاطعة كاتالونيا التي تطالب باستقلالها رفعت خلال مونديال جنوب أفريقيا العلم الإسباني إلى جانب الكاتالوني في خطوة نادرة، وهو دخل في الأول من تموز (يوليو) 2012 التاريخ من أوسع أبوابه.