بنّت الدول الأوروبية التي كثفت خطط التقشف لمواجهة أزمة الدين «ميثاقاً للنمو»، لكن اعتُبر «غير كاف» لإنعاش منطقة اليورو الغارقة في الانكماش. وأعلن رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، الاتفاق على «زيادة تمويل الاقتصاد إلى 120 بليون يورو لإتاحة اتخاذ إجراءات فورية تشجع النمو». ويمثل هذا المبلغ نحو واحد في المئة من الناتج الداخلي في الاتحاد الأوروبي. وكان رؤساء دول وحكومات تبنّوا الاتفاق رسمياً في قمتهم في بروكسيل، وأكد فان رومبوي أنهم «أعطوا الضوء الأخضر لمضمونه أول من أمس. لكن إيطاليا وألمانيا أخّرتا القرار إلى صباح أمس، مع التوصل إلى حلول طارئة لخفض نسب الفائدة المرتفعة التي تفرضها الأسواق على تمويلهما». اقتراحات المفوضية وبذلك، جعل الأوروبيون النمو أولوية، بعد عشرات اللقاءات التي خصصت لتعزيز ضبط الموازنات. إذ فرض الاستياء الاجتماعي في دول اعتمدت التقشف القاسي، والتوقعات الاقتصادية القاتمة في القارة القديمة، هذا الملف على جدول الأعمال. كما ساهم انتخاب فرنسوا هولاند رئيساً لفرنسا في الأمر، إذ رفض مصادقة بلاده على اتفاق الانضباط المالي الذي اقر في آذار (مارس) الماضي، قبل إلحاقه بشق يتعلق بالنمو. ووعد في حينه بإعطاء الضوء الأخضر للمصادقة في اليوم الثاني للقمة. ويستعيد «ميثاق النمو» في شكل لافت اقتراحات المفوضية الأوروبية التي كانت تشهد صعوبات في فرضها. ويستند إلى حد كبير إلى استخدام الصناديق الموجودة لتمويل استثمارات جديدة. وتعطي الدول الأعضاء الضوء الأخضر لإعادة رسملة «بنك الاستثمار الأوروبي»، الذراع المالية للاتحاد بمبلغ 10 بلايين يورو. وأكد البنك قدرته على جمع أموال تصل إلى 60 بليوناً لتمويل مشاريع في الابتكار والشركات الصغيرة والمتوسطة وفاعلية الطاقة والبنية التحتية الاستراتيجية. وأكد رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، «إنشاء آلية واحدة للمراقبة المالية، يلعب فيها البنك المركزي الأوروبي دوره كاملاً». وأعلن فان رومبوي، أن البنك «سينشئ مشاريع سندات، وهي إصدارات مشتركة «تُطلق خلال الصيف»، لتمويل البنية التحتية في قطاعي النقل والطاقة بقيمة 5 بلايين يورو. كما يريد الأوروبيون استخدام نحو 55 بليوناً من الأموال البنيوية غير المستعملة حتى اليوم. وشدد على استعداد منطقة اليورو لاستخدام صندوقي الإنقاذ «بمرونة أكبر لطمأنة الأسواق واستقرار السندات السيادية للدول الأعضاء فيها»، ما يعني إمكان شراء الآلية الأوروبية للاستقرار والصندوق الأوروبي، سندات دين الدول غير المستقرة مباشرة من الأسواق. وأوضح رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي، أن «بناء على طلب إيطاليا وبعد نقاش طويل، أُضيفت فقرة (...) لآليات استقرار الأسواق للدول التي تحترم التوصيات المقدمة ومعاهدة الاستقرار، التي تجد صعوبة في تمويل ذاتها في الأسواق بسبب الفوائد المرتفعة». ولفت إلى أن ذلك «ينطبق على إيطاليا حالياً»، مؤكداً أن روما «لا تنوي الاستعانة بهذه الآليات الآن». ولم يخفِ مونتي، ارتياحه معتبراً أن الاتفاق «مهم جداً لمستقبل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو». وأقرّ بأن المحادثات مع الشركاء الأوروبيين مرت في «مرحلة صعبة جداً»، مشيراً إلى أن «التوتر كان حاضراً لكن مفيداً». وقال رئيس مجموعة اليورو جان كلود يونكر، على «رغم الصعوبات الآنية والنقاشات، نجحنا في إرسال إشارة إلى الأسواق المالية». وأكد أن «الأسواق ستكون مطمئنة، في حال قدمنا تبريراً متماسكاً وموحداً وقوياً للقرارات المتخذة». ورأى فان رومبوي، أن قادة منطقة اليورو «أعطوا الضوء الأخضر لخريطة الطريق لتعزيز الاتحاد الاقتصادي والنقدي». وكان قدم تقريراً اقترح فيه إنشاء «اتحاد اقتصادي ونقدي حقيقي خلال عشر سنوات، يقوم على أربع ركائز هي: اتحاد مصرفي، اتحاد موازنة، اتحاد اقتصادي واتحاد سياسي». وشدد على «أهمية الاتفاق ليس على التقرير بذاته، بل على نظرة واضحة لما يجب القيام به، والعمل على الركائز الأربع بهدف جعل اليورو مشروعاً غير قابل للعودة عنه». وأحد أهم الإجراءات المقترحة، وجود رقابة مركزية على موازنات الدول الأعضاء في منطقة اليورو. واعتبر اقتصاديون أن «ميثاق النمو» ضعيف الأثر، مقارنة بحجم الحاجات». وأوضحت فريديريك سوريزييه من «بي أن بي باريبا»، أن الميثاق «ليس كافياً لأنه لا يشتمل على نفقات عامة إضافية، ولن يشكل ثقلاً موازياً لسياسات التقشف السارية». وأكدت أن مصرفها «لا يفكر في مراجعة توقعاته الاقتصادية في ضوء هذه الإجراءات الجديدة». وأكد الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد بول دي غرو، أن «كل شيء مؤات لبرنامج كهذا»، معتبراً أن المبالغ المذكورة «لا تزال محدودة إلى حد ما». لكن أشار إلى أن «تطبيق هذا العدد من المشاريع يستغرق وقتاً» ما يحد من الأثر المباشر على النمو. مؤشرات أوروبية وأظهرت بيانات أولية أمس، انخفاض مبيعات التجزئة الألمانية، في نتائج دون التوقعات في أيار (مايو) الماضي على أساس شهري، فتراجعت 0.3 في المئة ما أحبط الآمال في أن يدعم الاستهلاك الخاص النمو في اكبر اقتصاد في أوروبا. وكان اقتصاديون استطلعت وكالة «رويترز» آراءهم، رجحوا استقرار مبيعات التجزئة على أساس شهري وارتفاعها بنسبة واحد في المئة على أساس سنوي». وعُدّلت قراءة مبيعات التجزئة في نيسان (أبريل) خفضاً بنسبة 0.2 في المئة على أساس شهري، من ارتفاع 0.6 في المئة، وإلى تراجع 4.3 في المئة من تراجع 3.8 في المئة على أساس سنوي. وفي فرنسا أفادت وكالة الإحصاءات الوطنية الفرنسية أمس، بأن نمو الاقتصاد الفرنسي «توقف في الربع الأول بسبب خفض الشركات استثماراتها لمواجهة أزمة ديون منطقة اليورو وتباطؤ الصادرات». وأظهرت التقديرات الأخيرة للنمو في الربع الأول، أن الناتج المحلي استقر على أساس فصلي، ما يؤكد تقديرات أولية نشرت الشهر الماضي. وتباطأ ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد نموه بنسبة 0.1 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي. وكان اقتصاديون توقعوا «استقرار نمو الناتج المحلي في الربع الثاني أو انخفاضه في شكل طفيف، على أن ينتعش في شكل محدود في النصف الثاني.