عندما خسر محمد العتيبي ذو ال70 عاماً أكثر من ثلاثة ملايين ريال بعد انهيار سوق الأسهم السعودية في 2006 تلاشت أحلامه في المكسب السريع، لكن ولعه بالتداول لم يتأثر وتجددت آماله ثانية مع خطط فتح السوق أمام الأجانب للاستثمار المباشر. يجلس العتيبي على أريكة في قاعة للتداول بأحد المصارف يتابع شاشة تعرض السباق المحموم لأسعار الأسهم في جلسة يوم شديد الحرارة وتبحث عيناه عن شيء واحد فقط: طلبات الشراء أو البيع القوية ليروي ظمأه لتحقيق مكاسب سريعة. لكنه لا يجد ضالته في الأسهم القيادية بالسوق كأسهم المصارف والبتروكيماويات كونها منخفضة التذبذب ولا توفر له الربح المأمول فيركز على أسهم أخرى رخيصة في قطاعات مثل الأسمنت والزراعة والعقارات. يقول العتيبي: «أنا أشتغل فوري.. يومين.. ثلاثة.. أسبوعاً أو 15 يوماً، أراقب حركة السوق ولما أشوف طلبات كثيرة على السهم أدخل فيه ولو حقق معي شيئاً أطلع. أنا آخدها كمهنة أو كعمل بدل ما أجلس في بيتي، آجي هنا أستثمر أكسب لي 200 ريال 400 أو 500.. تجيب اللي تجيبه وأمشي». وتعني نشاطات العتيبي ومثله من آلاف المستثمرين في سوق الأسهم أن على المستثمرين الأجانب التكيف مع ما يبدو صراعاً بين الثقافات الاستثمارية عند دخول البورصة في النصف الأول من 2015 بموجب خطة أعلنتها هيئة السوق المالية الشهر الماضي. وبحسب تقرير لهيئة السوق المالية صدر في آذار (مارس) الماضي بلغ عدد المستثمرين الأفراد في السوق 4.3 مليون مستثمر بنهاية 2013 وبلغت قيمة حيازاتهم من الأسهم نحو 608 بلايين ريال، وبلغ عدد المحافظ الاستثمارية للأفراد 7.75 مليون محفظة وهو ما يشير إلى امتلاك الكثير من الأفراد لأكثر من محفظة واحدة. وعلى رغم أن ملكية الأفراد لا تتجاوز 35 في المئة من إجمالي الملكية في السوق فإنهم يسيطرون على أكثر من 90 في المئة من قيم التداول اليومية. وقد تشكل أنماط الاستثمار مخاطر أمام المستثمرين الأجانب أولها سعي بعض المستثمرين المحليين لرفع أسعار أسهم لمستويات غير قابلة للاستدامة خلال الأشهر القليلة المقبلة، ترقباً لدخول المال الأجنبي، وهو ما قد يحد من الربحية التي ترغب فيها الصناديق العالمية. وهناك مخاطر أخرى تكمن في احتمال أن تختلف تقويمات الأسهم السعودية بشكل دائم عن المستويات التي يعتقد الأجانب أنها مناسبة. فابتعاد مستثمرين أفراد عن الأسهم القيادية التي يفضلها المستثمرون الأجانب قد يعني انخفاض تقويماتها. يقول مدير صندوق هورايزون الشرق الأوشط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة دويت جروب في دبي علي الناصر: «90 في المئة من المتعاملين بالسوق ربما لا ينظرون إلى مدى أبعد من عام ونصف العام في ما يتعلق بالأرباح المستقبلية للشركات، بينما تهتم المؤسسات بمدى أطول يصل إلى خمسة أعوام أو أكثر». ويرى الناصر أن الفجوة بين المفاهيم الاستثمارية للأفراد والشركات ربما تنحسر في المدى الطويل، لكن الأمر قد يستغرق بضعة أعوام. من جهته، قال روبرت باركر من كريدي سويس في لندن عن السوق السعودية: «لديك سوق ذات أسعار مبالغ فيها بعض الشيء، لأن كل اللاعبين المحليين قرروا الدخول قبل الأجانب. لم تعد سوقاً رخيصة». ويؤيده رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال مازن السديري بقوله: «السعوديون رفعوا أسعار المصارف والبتروكيماويات بعد خطط فتح السوق للأجانب بناء على عوامل أساسية، ولعلمهم أن أسعار تلك الأسهم كانت مقومة بأقل من قيمتها». ويرى خبير أسواق المال في الرياض الحسن قصوص أن السوق ستظل في اتجاهها الصاعد بدعم من خطط دخول الأجانب، إضافة إلى طروح أولية مرتقبة خلال أشهر لشركات كبرى منها البنك الأهلي التجاري أكبر مصرف سعودي من حيث قيمة الأصول. من جانبه، يقول مدير المحافظ الاستثمارية في الرياض هشام تفاحة إن مضاعف ربحية السوق الآن يراوح بين 21 و22 مرة، وإن هناك فرصاً لأن يصل إلى 23و24 مرة ويصعد المؤشر إلى 11 ألف نقطة خلال أشهر. ويوضح سهم شركة الحمادي للاستثمار التي تمتلك مستشفيات في الرياض التي أدرجت أسهمها في السوق في شهر تموز (يوليو) كيف يمكن للمتعاملين الأفراد رفع سعر السهم لمستويات عالية. فقد بلغ سعر السهم هذا الأسبوع 101.25 ريال مقارنة بسعر الطرح البالغ 28 ريالاً. ويقول محللون إن على المستثمرين الأجانب التكيف مع مصاعب قد يواجهونها في سوق يحذو فيها كثير من المتعاملين الأفراد حذو بعضهم في قراراتهم الاستثمارية وفق الموجة السائدة بالسوق، وهو ما يسبب تقلبات قوية ولاسيما في الأسهم الصغيرة. ولفت هشام تفاحة إلى اختلاف الشفافية عن الأسواق الأخرى بقوله: «أحياناً تكون الشفافية موجودة، لكنها غير مكتملة فقد تعلن شركة ما توقيع عقد بملايين الريالات لتنفيذ خطط توسع، لكنها لا تتطرق في الإعلان عن كيفية تأثير ذلك على الأرباح والإيرادات بصورة دقيقة.» التحول إلى الاستثمار المؤسسي تسعى السلطات السعودية من خلال خطط فتح السوق للأجانب إلى زيادة المستوى الإجمالي للاستثمار المؤسسي في سوق الأسهم لتقويم الشركات بطرق مشابهة لما يحدث في الأسواق المتطورة. لكن محللون يرون أن تلك الخطوة ربما تستغرق بضعة أعوام، إذ يشير رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال مازن السدير، إلى أن الصناديق تتسم بطابع استثماري لا يوفر التذبذب الجاذب للمتعاملين الأفراد، مضيفاً أن ارتفاع مستويات الثروة بين الشباب وزيادة فرص العمل في القطاع الخاص تعني دخول مزيد من الأفراد إلى السوق. ويقدر رئيس الأبحاث والمشورة لدى البلاد للاستثمار تركي فدعق، إلى الفترة اللازمة لتحول ميزان القوة لمصلحة المؤسسات الاستثمارية بنحو 3 إلى 5 أعوام.