لا يمكن الجزم قطعاً إن كان العامل الاقتصادي والاجتماعي أم الكرامة الشخصية، المحرك الرئيس لأحداث تاريخية في العالم العربي. وليس من حدث أكثر ارتباطاً بهذه الفكرة من حادثة محمد البوعزيزي التونسي (1984- 4 كانون الثاني/يناير 2011) الذي أحرق نفسه احتجاجاً على الأوضاع المزرية، فأشعل حرائق في العالم العربي. تمثلت قضية البوعزيزي في محاولة الحصول على رد على تساؤل ينقل عنه: «لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل»، كلمات وجّهها الى الشرطية فادية حمدي إذ صادرت بعض أدوات يستعملها في وزن فواكه يعرضها على عربة، وبيعها. توفي البوعزيزي من دون أن يبوح بأيهما أكثر وزناً في حياته المهنية المتواضعة: مصادرة أدوات ممارسة تجارته وعربته أم صفعة فادية. ولكن بعد الحادثة أتى طوفان تجاوز تونس إلى بلدان عربية أخرى. ولكن المثل يكفي للإشارة إلى دور بارز تلعبه اقتصادات السوق في المنطقة العربية، وخوف المواطن من السقوط في هاوية البطالة. والبطالة، والمقنّعة منها خصوصاً، منتشرة في عرض البلاد العربية وغربها، والأرقام تأتي في كثير من الأحيان غير دقيقة. في التاريخ العربي المعاصر تفجرت انتفاضات في معان الأردنية مرتين على خلفية اقتصادية (1889 و1996). وعلى الشاكلة ذاتها، شهدت مصر السادات انتفاضة سياسية عارمة عام 1977 وتركت آثاراً سياسية واسعة. وطالبت ثورات عربية أخرى بالخبز وبخفض أسعار سلع غذائية أو دعمها حكومياً. وانتهى رفع حكومات الدعم عن سلع ترتبط بالحياة اليومية للمواطن، إلى انتفاضات تسعى الى نيل مطالب سياسية. ولذلك حرص الحكام العرب على مراقبة أسعار المواد الأساس. وحين أراد الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي أن يلغي بعض الدعم، اضطر لأن يلغي نصف راتبه كرئيس للجمهورية كبادرة حسن نية. وتشير دراسة للبنك الدولي أعدّتها سحر نصر وأحمد رستم، الى أن أكبر تحديات تواجه المنطقة تتركز في بروز ما يعرف بجيل البطالة. وتتمثل صفاته الأساس في أنه يسجل أدنى نسبة توظيف لحجم السكان، وتسجل دوله أيضاً أعلى نسبة بطالة مقارنة بأية منطقة في العالم. وعلى رغم جهود مبذولة، إلا أن ما تحقق من حلول ليس ذات فعالية في تقليل البطالة، وبخاصة بين الشباب والنساء. وبرزت مجتمعات تعاني تشوهات تمنع الاستفادة المثلى من رأس المال البشري، ومؤداه انتشار نسب بطالة عالية تنعكس في مشاعر من يعاني منها، بالإقصاء. وتتبلور تلك المشاعر في رغبة عارمة بالتغيير، تأكد نجاحها في سنوات «الربيع العربي»! ووفق تقرير البنك الدولي، فإن البطالة في العالم العربي تستقر عالياً عند نسبة 10 في المئة. وحتى الآن لم تجلب سنوات «الربيع العربي» استقراراً أو استثمارات، ولم تأتِ بوظائف. فعدم الاستقرار أدى إلى توقف عجلة الإنتاج، ولم ينج من ذلك حتى بلد نفطي مثل ليبيا، والذي أضاف الى إيجابيات توافر النفط وجود مناخ متوسطي مؤاتٍ للزراعة، ومصادر طبيعية أخرى كوفرة المياه الجوفية. ولكن التغيرات الديموغرافية جنحت بالمتغيرات الاقتصادية لتجعل من الشباب الفئة الأكثر عرضة للبطالة، فبلغت 10 في المئة لترتفع إلى 16 في المئة حين يتعلق الأمر بفرص العمل المقدمة للنساء. وليست دول الخليج التي يعتمد اقتصادها حتى الآن على النفط كمصدر للثروة، بمنأى عن البطالة وإن كان بروز الظاهرة واستمرارها لديها يعود لأسباب مختلفة. فالبطالة تنتج هنا أساساً من تطور سوق العمل لديها وانفتاحه على عمالة ذات مستوى عالمي. ويتم كل ذلك وسط نشاط اقتصادي فائق. بينما تشهد دول عربية تزايد البطالة لديها بدافع بطء دوران عجلة الاقتصاد لديها. وعلى سبيل المثال بينما يبلغ معدل تأسيس أعمال جديدة لكل 1000 شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 16 عاماً، للفترة بين عامي 2004-2008، وكذلك 2009-2011، 2 و1.2 على التوالي للإمارات، و1.4 و1.5 لعُمان مثلاً، بلغ المعدل 0.25 للجزائر في الفترتين، و0.1 لمصر.