مدرب إنتر ميلان: نستحق الفوز.. ومدرب أتالانتا: فقدنا التركيز وخصمنا صعب    خطيب الحرم: حين تستحكم الآفات تلتاث العقول وتحار الأفهام    القيادة تعزي الرئيس الأمريكي في ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيو أورليانز    خطيب المسجد النبوي: نعم الله تدفع للحب والتقصير يحفز على التوبة فتتحقق العبودية الكاملة    " تراحم جازان " تحتفي ببرامجها السنوية للعام 2024    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة لمساعدة الشعب السوري    «الجمارك» تُحبط 3 محاولات لتهريب أكثر من 220 ألف حبة محظورة    وسط مخاوف من الفوضى.. حرس الرئاسة يمنع اعتقال رئيس كوريا الجنوبية    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري    الأرصاد: طقس شديد البرودة مع فرصة تكوّن الصقيع على أجزاء من شمال المملكة    مظلات الشحناء والتلاسن    لحظات رياضية سعودية لا تُنسى    الحازمي يروي سيرة كفاح في كتابه «من القهوة إلى قوقل»    بين عمان والبحرين كأس وذهب.. من عريس الخليج؟    الكلية الأمنية تنظّم مشروع «السير الطويل» بمعهد التدريب النسائي    كيف تتجنب ويلات الاحتراق النفسي وتهرب من دوامة الإرهاق؟    لتعزيز سعادتك وتحسين صحتك.. اعمل من المنزل    5 أخطاء شائعة في تناول البروتين    الفنان راشد الفارس يقدم أولى حفلاته للعام 2025 في موسم الرياض    كيف ستنعكس تعديلات أسعار اللقيم والوقود على الشركات المدرجة؟    ارتفاع أسعار النفط    ذلك اليوم.. تلك السنة    قاتل الشتاء الصامت!    الدكتور عبدالله الأسمري: نتعلم اللغة الصينية اقتصاديًا والإسبانية رياضيًا والفرنسية ثقافيًا    خشونة الركبة.. إحدى أكثر الحالات شيوعاً لدى البالغين    «العلا».. مقصد الباحثين وهوى السائحين وقبلة المغامرين    عام جديد بروح متجددة وخطط عميقة لتحقيق النجاح    محمد الفنتوخ.. الهمّة والقناعة    الصراعات الممتدة حول العالم.. أزمات بلا حلول دائمة    سوق العمل السعودي الأكثر جاذبية    عبير أبو سليمان سفيرة التراث السعودي وقصة نجاح بدأت من جدة التاريخية    ترمب أمام تحدي تعديل السلوك السياسي الإسرائيلي    تعفن الدماغ .. عندما تصبح أدمغتنا ضحية التكنولوجيا    لبنى العمير: أول مبارزة سعودية تكتب فصول الإلهام    سُلْطةُ الحُبِّ لا تسلّط الحرب    لماذا لا تزال الكثيرات تعيسات؟    المسحل والمسؤولية المقنعة!    ابتسم أو برطم!    1.3 مليون خدمة توثيقية.. عدالة رقمية تصنع الفارق    بين دمشق وكابول    الهلال يعلن غياب "نيمار" وعودة "نيفيز" قبل مواجهة الاتحاد في كأس الملك    بايرن يشهد عودة أربعة من لاعبيه للتدريبات الجماعية    نائب أمير تبوك يستقبل مدير الجوازات بالمنطقة    وزارة الثقافة تُدشِّن مبادرة "عام الحرف اليدوية 2025"    الدفاع المدني يؤكد أهمية اتباع إجراءات السلامة عند استخدام وسائل التدفئة    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يعقد اللقاء الأول للجمعيات التعاونية في المنطقة لعام ٢٠٢٥    السعودية تأسف لحادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيتينيي بالجبل الأسود    قرية "إرث" بالواجهة البحرية بجازان.. وجهة سياحية وترفيهية وثقافية في موسم شتاء جازان 2025    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    19,914 قرارًا إداريًا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب السوري    منذ 14 عاماً.. الذهب ينهي 2024 بأفضل أداء سنوي    صندوق تنمية الموارد: توظيف 169 ألف مواطن خلال 3 أشهر    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    جازان: نجاح أول عملية كي للعصب الكلوي    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجوع يهدّد العالم العربي... والإجراءات القصيرة المدى لن تنجب استقراراً
نشر في الحياة يوم 21 - 01 - 2011

أثار التصرّف اليائس لمحمد بوعزيزي (26 سنة) وهو شاب متخرج في الجامعة وعاطل من العمل يقطن في سيدي بوزيد في تونس، موجة اضطرابات لم تطح نظام الرئيس زين العابدين بن علي فحسب، بل هددت استقرار دول كثيرة في العالم العربي أيضاً. وجاءت وعود الرئيس التونسي بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة في السنتين المقبلتين متأخرة جداً لتخفيف حدّة التوتّر، لا بل سرّعت وتيرة انهيار عهده. وفي الجزائر، البلد المجاور لتونس، أدت أعمال الشغب على مدى ثلاثة أيام احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح حوالى 800 شخص آخر. فقد استشاط الشعب غضباً جرّاء رفع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل السكر والزيت النباتي بنسبة 30 في المئة في الأول من كانون الثاني (يناير) وذلك عقب ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية. وعاد الهدوء، أقله حالياً، ليخيّم على شوارع العاصمة الجزائرية بعد أن سارعت السلطات إلى إلغاء القرار الأخير برفع الأسعار.
ليست الجزائر وتونس البلدين العربيين الوحيدين اللذين يواجهان مخاطر حدوث اضطراب اجتماعي بسبب نسبة البطالة العالية وارتفاع أسعار المواد الغذائية. فقد شهد الأردن أيضاً أعمال عنف مرتبطة بالوظائف، إذ اندلعت مواجهات في الثالث من كانون الثاني بين عشيرتين متخاصمتين في مدينة معان الجنوبية بسبب الوظائف، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات وتوقيف حوالى 90 شخصاً. وبعد أيام قليلة، اندلعت مواجهات مماثلة بين أعضاء ينتمون إلى العشيرة نفسها في مدينة الكرك، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات طارئة مثل إلغاء بعض الضرائب المفروضة على الوقود والسلع الغذائية لتخفيض أسعار السوق فيما قدّمت الحكومة الأميركية هبة طارئة بقيمة مئة مليون دولار لمساعدة السلطات الأردنية على الحفاظ على استقرار الأسواق وتخفيف حدّة التوتر الاجتماعي.
ويبدو أنّ مصر تواجه خطراً مماثلاً، لا سيما أن حكومتها تدعم في شكل كبير السلع الغذائية المستوردة وتنفق حوالى 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي على الدعم المخصص للمواد الغذائية والطاقة. وبالتالي، هل يقف العالم العربي على عتبة حركة اجتماعية جديدة سببها ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم؟
الرابط بين الغذاء والمياه والطاقة
تُعتبر الإجراءات الطارئة التي اتخذتها الحكومات العربية ضرورية. إلا أنّ تطبيقها يجري على المدى القصير فيما تبدو المشكلة بنيوية وسوف تزداد سوءاً لا محال. وشدد البنك الدولي في تقرير أصدره عام 2009 على أن البلدان العربية تستورد أكثر من نصف حاجاتها الغذائية وأنّ هذه البلدان تعتبر المستورد الأكبر للحبوب في العالم. بمعنى آخر، تعتمد البلدان العربية على الدول الأخرى من أجل تحقيق أمنها الغذائي. فهي تبدو حساسة للأمطار في أستراليا وللبرد في كندا أكثر من حساسيتها لكمية المحاصيل في الجزائر أو مصر. وأنفقت البلدان العربية عام 2009 حوالى 30 بليون دولار على استيراد السلع الغذائية. ومع وصول أسعار الأغذية إلى معدل أعلى من ذلك الذي سجل في حزيران (يونيو) 2008 والذي تسبّب بموجة احتجاجات في عشرات البلدان في أنحاء المعمورة، يواجه السكان العاطلون من العمل والفقراء في البلدان العربية ارتفاعاً في أسعار الأغذية المستوردة.
وارتفع عدد السكان في البلدان العربية خمس مرات أكثر خلال القرن العشرين. كما ارتفع عدد السكان في مصر الذي كان 20 مليون نسمة قبل مئة سنة إلى 75 مليوناً عام 2007. أما النمو السكاني السريع فمستمر في العالم العربي ويسجل معدل 2.3 في المئة سنوياً. وتوقعت الأمم المتحدة أن يرتفع عدد سكان مصر إلى 121 مليون نسمة بحلول عام 2015. كما سيرتفع عدد سكان الجزائر من 33 مليون نسمة عام 2007 إلى 49 مليون نسمة بحلول عام 2050 وعدد سكان اليمن من 22 مليون نسمة عام 2007 إلى 58 مليون نسمة بحلول عام 2050. وترى الأمم المتحدة أنّ عدد سكان العالم سيرتفع من 6671 مليون نسمة عام 2007 إلى 9191 مليون نسمة بحلول عام 2050. فما هو عدد فرص العمل الجديدة التي يجب توفيرها والتي تقدّر بالملايين لاستيعاب الشباب؟ وما هي الكمية الإضافية من الغذاء التي ستستوردها البلدان العربية؟
خلال العقد الماضي، تزامنت هذه الثورة الديموغرافية مع «ثورة خضراء» في الزراعة، فقد ساهمت الابتكارات التكنولوجية والتصنيع الزراعي في رفع الإنتاج الغذائي. وكانت الثورة الخضراء ممكنة لأنها كانت مدعومة من النفط. وتؤشر عوامل عدة اليوم الى أنّ هذا التقدّم بلغ حدوده. وكان ارتفاع أسعار النفط من بين الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الارتفاع العالمي في أسعار الأغذية منذ عام 2008. ولفت التقرير الأخير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن بلوغ ذروة الإنتاج النفطي أصبح وراءنا.
وإذا ما نظر المرء إلى موارد الأرض والمياه التي تشكّل المكوّنين الأساسيين للزراعة إلى جانب الطاقة، يلاحظ أن حالها ليس أفضل بكثير. إذ أدت الزراعة الصناعية والاستخدام المفرط للمبيدات وخسارة التربة السطحية إلى تدهور نوعية الأرض، ما أدى إلى انخفاض في المحاصيل. كما يتمّ الاستثمار في شكل كثيف في موارد المياه إذ تمّ إنشاء سدود على الأنهار لأغراض مرتبطة بالري وتوليد الطاقة المائية مع العلم أن عدد السدود على الأنهار يصل إلى 45 ألفاً وتبدو القدرات محدودة للإفادة من الأنهار الأساسية. وفي مقال سابق نشرته صحيفة «الحياة» في الثالث من كانون الأول (ديسمبر) 2010 تطرّقتُ إلى تراجع منسوب مياه البحر الميت في الأردن، ما يشير إلى أنّ البلدان العربية تعاني اليوم نقصاً في المياه وتستخدم المياه والطاقة غير المتجددة في الإنتاج الزراعي الحالي.
يشكّل التغيّر المناخي مصدراً إضافياً للقلق لا سيما أن تأثيره سيكون سلبياً على الزراعة في العالم العربي. وترى اللجنة الدولية للتغيّر المناخي إنّ التغيرات التي طرأت خلال هذا العقد على أنماط الأمطار قد تؤدي إلى انخفاض مياه الأمطار في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية بنسبة 20 في المئة. إضافة إلى ذلك، يتسبّب ارتفاع درجة الحرارة بنسبة درجتين أو أربع درجات بتعجيل وتيرة التبخّر وبقلة المياه. وترى بعض الجهات المعنية بالمناخ أن بعض الأنهار قد تزول عن الوجود.
وتكمن معضلة الاقتصادات العربية في اعتمادها على أسعار النفط سواء كانت منتجة له أم تعتمد على استثمارات البترودولار فيما ستصبح السلع الغذائية أكثر غلاءً مع ارتفاع أسعار الطاقة.
البيئة والأمن
ما هي تبعات كل هذه العوامل على استقرار الأنظمة السياسية مثل تلك الموجودة في العالم العربي؟ تكمن المشكلة في عدم معرفتنا الواسعة بهذا الموضوع. وتعتبر الأبحاث المتعلقة بالروابط الموجودة بين التدهور البيئي ونضوب الموارد والأنظمة السياسية جديدة. فلا نعرف مثلاً ما إذا كانت ثمة علاقة بين النمو السكاني العربي والبيئات الحضرية الجديدة وبروز جيل مهمّش ومثقف من الشباب وما بين بروز نمط محدّد من النضالية الإسلامية. لكن، دعونا نأخذ أمثلة من الماضي.
في الماضي، أدى الارتفاع في أسعار الأغذية والطاقة إلى تظاهرات شعبية في العالم العربي مثل تلك التي شهدتها الجزائر عام 1988 والأردن عام 1989. ولما لم تنجح السلطات في وضع حدّ للتظاهرات من طريق القمع ولم تنجح في تخفيض الأسعار بسبب افتقارها للوسائل، فتحت أبواب الأنظمة السياسية المغلقة. وتمّ إنهاء حكم الحزب الواحد في الجزائر عام 1989 وتمّ رفع الحظر المفروض على الإعلام وعلى عمل الأحزاب السياسية في الأردن. ولم يؤدّ هذا الانفتاح السياسي في أيّ من الحالتين إلى نشوء مؤسسات مستدامة وإلى فرض الديموقراطية. فقد دخلت الجزائر في حرب بين أفراد الوطن الواحد فيما تمت المطالبة بالعودة إلى العادات القديمة في الأردن فور انتهاء موجة الاحتجاج.
أما أحدث مثال على ذلك فيتمثّل في أعمال الشغب التي شهدتها قيرغزستان. فقد أدى الارتفاع في تعرفة الكهرباء والهاتف الخليوي إلى تظاهرات في العاصمة بشكيك في شهر نيسان (أبريل) من السنة الماضية. وأصدر النظام أمراً إلى القوات الخاصة يقضي بفتح النار على المتظاهرين ما أدى إلى مقتل 88 شخصاً وجرح أكثر من ألف آخر. ولم يكن ذلك كفيلاً بثني المتظاهرين الغاضبين عن اجتياح المكاتب الرئاسية والإطاحة بنظام كرمان بك باكييف في اليوم نفسه. ومنذ ذلك الحين، يشهد هذا البلد عملية متناقضة للتحرّر السياسي وتأجيج التوترات بين المجموعات الإثنية.
وبالعودة إلى تونس، ليس معلوماً حتى الآن ما إذا كانت الإطاحة بالنظام ستقود إلى الديموقراطية الشعبية، أم سيكون مصيرها مصير التحرّكات التي حصلت في أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
لم يتمرد محمد بوعزيزي لأنه لم يجد وظيفة تعكس طموحاته ومستوى تعليمه. ولم يحرق نفسه حين قام شرطي بمصادرة الفاكهة والخضر التي كان يبيعها في زاوية شارع بحجة أنه لا يملك الإذن للقيام بذلك. فحين اتجه لتقديم شكوى والبحث عن تحقيق العدالة تمّ رفض طلبه هذا. ودفعه شعوره بالظلم إلى ارتكاب هذا التصرف اليائس. من الممكن أن نحظى بأنظمة سلطوية وأن يكون الشعب عاطلاً من العمل ويعاني الجوع. إلا أن أنظمة سياسية مماثلة لا تفرض الاستقرار.
* كاتب لبناني من أصل أرميني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.