كل إنسان على قدر من التهذيب يعرف أن ليس من الذوق أو الأدب الحديث عن فلوسه أمام الآخرين، وأتحدث اليوم عن فلوس الآخرين لأن ليس عندي ما يكفي لإكمال هذه الزاوية. هو مجرد هذر لإبعاد القارئ عن نكد السياسة العربية سببه ما وجدت في نسخة مختصرة من «نيويورك تايمز» تصدر مع «الأوبزرفر» اللندنية كان المانشيت فيها «البحث عن أموال الطغاة» وتحته «عقبات تعرقل العثور على ثروات الشرق الأوسط.» الموضوع تحدث عن 30 مليون دولار، وأيضاً عن 70 مليون دولار، في بنوك سويسرية باسم زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي المخلوع، وعن موت وزير النفط الليبي السابق شكري غانم غرقاً في نهر الدانوب، في فيينا، مع ترجيح محاولة إسكاته، وعن سبعة بلايين دولار لمعمر القذافي في مشاريع أفريقية، وعن 160 بليون دولار أخرى للبنك المركزي الليبي اختفت آثارها في أوروبا، وعن رجل الأعمال المصري حسين سالم الذي فر إلى إسبانيا واعتقل وقيل انه يملك البلايين إلا أن المحاكم الإسبانية صادرت له 45 مليون دولار، وعن 135 مليون دولار في بنوك سويسرية باسم 19 شخصاً من الحلقة الداخلية التي أحاطت بالرئيس حسني مبارك. الأوساط المالية العربية والعالمية كانت تعرف أن الموازنة السنوية الليبية المعلنة تقل بحوالى 10 بلايين دولار إلى 20 بليوناً عن الدخل النفطي السنوي المعروف للبلاد. فإذا قيل لي أن هناك 400 بليون دولار للشعب الليبي ضائعة في بنوك الغرب أجد التهمة قابلة للتصديق. في تونس ومصر لا توجد هذه المبالغ، والفساد كان موجوداً حتماً، والضالعون فيه معروفون. وما سمعت عن مصر يعود كله إلى السنوات الست أو السبع الأخيرة، أي عندما عاد الرئيس مبارك من العملية الجراحية الأولى في ألمانيا، وقد تغير وتراجعت قواه الذهنية ولم يعد يستطيع العمل. كان الخبر عن ثروة لمبارك في بنوك سويسرا بمبلغ 60 بليون دولار أو أكثر بذيئاً ومتعمداً، وعندما راجعت وغيري مصدر الخبر وجدت أن جريدة «الخبر» الجزائرية نشرته خلال الخلاف المشهور على «ماتش الكورة.» مع ذلك أصبحت جريدة جزائرية هدفها معروف مرجعاً في أموال حسني مبارك. أقول: عيب. طالما إنني والقارئ غير متهمين بالفساد وبإخفاء بلايين الدولارات في بنوك سويسرا (يا ليت) فإننا نستطيع أن نجد في الموضوع جانبه الخفيف، وقد قرأت عن رجل يشرح لزوجته معنى «التضخم» ويقول: مثلاً، عندما تزوجتك كان وزنك 50 كيلوغراماً وهو الآن 80 كيلوغراماً. زاد حجمك ونقصت قيمتك. في جميع الأحوال، للفساد جانب إيجابي يغفل عنه الذين يشكون من فساد السياسيين، هو أن السياسي الفاسد، يستوي في ذلك سناتور أميركي أو عضو في مجلس الشعب المصري، يعيد تدوير الفلوس لتدخل الاقتصاد الوطني بإقامة علاقات نسائية محرمة في سيارته مثلاً، وربما تعاطى المخدرات وأنفق على حملات نيابية كاذبة. ومضى زمن كنا نسمع فيه عن الإفلاس، إفلاس أفراد، والآن الكلام في معظمه عن إفلاس دول. ونعرف جميعاً أن الدين القومي الأميركي تجاوز 15 ترليون دولار، ولكن لا احد يعرف من الدائن. ربما كانت المشكلة أن الدول المدينة يشرف على اقتصادها خبراء ماليون يدعون انهم يعرفون عن المال اكثر من الناس الذين يملكونه فعلاً، وينتهي الخبير والثري من دون فلوس ولكن مع خبرة مالية. وهذا يذكرني بعجوز في إحدى مسرحيات الرحبانيين تصرخ: فلوسي. راحت فلوسي... وتُسأل: انت عندك فلوس؟ وترد: يا حسرة منلّي (من أين لي). اليوم ينكر الرؤساء العرب السابقون ومساعدوهم تهم الفساد، وأخشى أن تتواطأ المصارف الأجنبية معهم لسرقة الفلوس وأصحابها في السجون. واختتم بولد علّمه أهله الأثرياء أن ينكر ثروة الأسرة، فأقسم لزملائه في المدرسة: البابا فقير. الماما فقيرة. الخادمات عندنا فقيرات. الطباخ فقير. الجنايني فقير، السائق فقير... كلنا فقراء. هكذا الفقر وإلا فلا لا. [email protected]