«مشاركتي لن تغيّر شيئاً» هكذا يقيّم الشاب الثلاثيني الاردني محمد عبدالله تجربته في الحراك المطالب بالاصلاح او حتى الاحتجاجات على غلاء الاسعار. فو كما يقول، جرب هذة الوسائل «اكثر من مرة ولم تثمر عن شيء». عبدالله نفسه يقترح ان يجد الشاب له فرصة عمل او هجرة الى الخارج كحل على ان يبقى رهينة سياسات حكومية «مراوغة ومتصلبة ازاء الاصلاح السياسي، ولا ترى غير جيب المواطن لتعويض عجز الموازنة العامة للدولة، في الوقت الذي تظهر غالبية الشبان لامبالاة ازاء قضايا وطنية كبرى تمس حياتهم». غير ان الاربعيني عمر صوالحة الذي خبر الملاحقات الامنية في اول شبابه ايام العمل السري الحزبي حتى اواخر الثمانينات وذاق مرارته، فيقدم سبباً آخر بعيداً عما ذهب اليه عبدالله في تفسير حالته الرافضة للمشاركة في التحركات الشعبية، فهو كما يقول شاهد وعايش رفاقاً له دمر العمل السياسي مستقبلهم، وابقاهم بعيداً من تسلم أي مسؤولية أو حتى الحصول على وظيفة في اماكن عمل مهمة تناسب تخصصاتهم وتدر عليهم دخلاً جيداً بل تمت معاقبتهم بالاقصاء والابعاد عن أي حيز عام. وما يقوله عبدالله وصوالحة قد لا يكون السبب الوحيد الذي يدفع بغالبية شباب الاردن الى عدم المشاركة في الحراك الشعبي واقتصاره على النخب الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني في الوقت الذي تعتبر فئة الشباب في الأردن أكثر الفئات المجتمعية تضرراً من الوضع الاقتصادي خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الفقر والبطالة. وكانت دارسة أطلقها مركز «عدالة لحقوق الإنسان» مطلع شهر الحالي للتعرف على رؤية الشباب الأردني للإصلاح في ظل الربيع العربي، كشفت عن أن 73 في المئة من الشباب لا يشاركون في الفعاليات والمسيرات التي تجرى محلياً، وهو ما رأى فيه مراقبون أنه ينبه الى غياب توعوي لدى فئة الشباب عن حقوقهم، فضلاً عن ترسيخ ثقافة الخوف لدى البعض في التعبير عن مطالبهم بصوت عال. ويعتبر شباب أردنيون وناشطون ان هناك حلقة مفقودة لها علاقة بالجانب التوعوي للشباب بالمطالب الاصلاحية وبخاصة في ما يتعلق بمصطلح «التغيير» ومدلولاته الخطرة التي تستفز الاجهزة الامنية. فالهتاف بتغيير النظام والمطالبة به وفقاً لاسامة التعمري يخطف المسيرة باتجاه مطالب لا يدعو لها المنظمون للمسيرة، ويحمل كثيرين من المشاركين فيها الى مغادرتها، خوفاً من تسجيل هذا الموقف ضدهم. واشار التعمري إلى الشعارات التي تخرج اعتباطياً في المسيرات والتي لا تكون في كثير من الأحيان متفقاً عليها وإنما تمثل توجهات مجموعة معينة أو حزب سياسي، ما يسبب في كثير من الأحيان وقوع مشاكل ومناوشات في الميدان. واضاف ان المطالب لا تكون على أساس تخبطي غير منظم، ذاهبا إلى أن رفضه المشاركة في المسيرات والحراكات الشعبية يعود أساسا الى أن عدم وجود ركيزة واضحة ومحددة وغير متشعبة لمن يخرجون للشارع للمطالبة بالإصلاح والتغيير. أما العشريني سفيان مدادحة فيعتبر أن كثيرين من المشاركين يخرجون في المسيرات لتسجيل مواقف وتسليط الضوء عليهم إعلامياً، ذاهباً إلى ان قلة قليلة من أولئك الأشخاص يكترثون لمتابعة ماذا أثمرت به تحركاتهم. وارجع الناشط في الحزب الشيوعي صهيب العساف عدم رغبة كثيرين من الشباب الأردنيين المشاركة في المسيرات إلى ثقافة مجتمعية رسختها الحكومات وعملت على تجذيرها وتتجه نحو «لامبالاة» الشباب وعدم اكتراثه بقضاياه الوطنية التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوقه ومطالبه كفرد حيوي في المجتمع. ويضيف أن هناك موروثا تاريخيا لدى الشباب الاردني بأن من يخرج للشارع محتجاً سيتعرض للضرب والاعتقال وممارسة انتهاكات وخروقات قانونية بحقه، الأمر الذي يجعل من عامل الخوف من النزول للشارع حاجزاً كبيراً بين رغبة الشاب في التعبير عن رأيه وبين تحسبه عن عواقب تلك الخطوة. واشار العساف إلى أن تراكم حجم الحراكات الشعبية التي تخرج للشارع في ظل وجود حالة احتقان شعبي شبابي على وجه الخصوص ستؤدي في نهاية المطاف الى تحريك رغبة كل من كان لا يرغب في الخروج للشارع بالانخراط في الميدان.