المتابع لوسائل الإعلام الإسرائيلية في تغطيتها الانتخابات الرئاسية المصرية يلاحظ أنها كانت قلقة وحذرة جداً، إلا انها وعلى رغم ما تتمتع به من مكر ودهاء وقدرة كبيرة على قلب الحقائق واللعب في اتجاهات الرأي العام، لم تقدر على إخفاء خشيتها من مرشحين بعينهم، وتأييدها لمرشحين آخرين، وذلك تبعاً لما يخدم مصالح اسرائيل واستمرار هيمنتها، وزيادة مدة بقائها في قلب العالم العربي والإسلامي. فقد قال موقع صحيفة «يديعوت أخرونوت» العبرية على شبكة الإنترنت إن سبب النسبة المرتفعة للأصوات التي نالها المرشح أحمد شفيق هو نجاحه في تقديم وعود وحلول لأزمات مصر، وهنا قد يتساءل المرء: أية حلول للمشاكل والأزمات التي نجح – او سينجح - في حلها شفيق، وهو الذي كان آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك من دون أن يحل ولو معضلة واحدة من مشاكل مصر، بل فاقمها. الانتخابات الرئاسية المصرية اكتسبت أهمية بالغة لدى دول العالم، خصوصاً دولة الاحتلال، كونها الأكثر تأثيراً في المنطقة. من منا لا يذكر كيف أن اسرائيل لم تجرؤ على البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، وشرعت فيه فقط بعد أن وقّع الرئيس المصري أنور السادات معاهدة كامب ديفيد، والتي يخشى عليها الاحتلال من الإلغاء أو إعادة النظر فيها في حال فوز الإسلاميين الذي بات قاب قوسين أو أدنى. مصر لم تتقدم في مصاف الدول المتقدمة ولو خطوة واحدة في عهد مبارك، ولن يذكره التاريخ بخير، كما سيذكر مثلاً رجب طيب اردوغان الذي قاد تركيا الى الرقم 17 في الدول المتقدمة، ولن يذكر التاريخ بخير من سيقود مصر بعد جولة الإعادة إن لم ينطلق بها الى الأمام، ويضع حداً لعربدة دولة الاحتلال. لم تحصل مفاجأة تقلب الموازين في مصر، وإن حصلت مفاجأة فهي لمراكز الاستطلاع التي تبين سوء عملها وأدائها، وعدم صدقيتها بعد فشلها المدروس في معرفة النتائج في شكل علمي مسبق. المشككون والمتخوفون من وصول الإسلاميين الى السلطة، من اليسار أو العلمانيين أو غيرهم، تنبع خشيتهم من أفكارهم المسبقة. الخطأ الفادح الذي يقع فيه الكثيرون منهم هو الحكم المسبق على شيء لم يقع بعد، وهو إن تسلم الإسلاميون قيادة دفة مصر فسيفشلون في الرقي بها، وهو ما قد يفسر لدى البعض بأن البغضاء تغلبت على العقل والحكمة، ورؤية الأمور بوضوح، وتفسيرها في شكل علمي صحيح. في المحصلة، الاحتكام الى صناديق الاقتراع هو حال متقدمة من الوعي والتحضر، بدل التخوين والتكفير وتصيد الأخطاء، أو سفك الدماء، وأياً كانت نتيجة جولة الإعادة، فعلى الجميع احترامها، فهي ليست الى الأبد، بل لأربع سنوات فقط. من سيقود مصر في المرحلة المقبلة بغض النظر عن برنامجه الانتخابي؟ هو حتماً لن يقبل بما كان يقبل به مبارك، فمصر 90 مليوناً لم تعد تخشى 5 ملايين في دولة الاحتلال، وأميركا لها انشغالاتها وهمومها، ولم تعد قادرة على وقف قطار الديموقراطية التي تزعمها وتنادي بها صباح مساء، بحجة الخشية من وصول الإسلاميين الى سدة الحكم، وآن الأوان لمصر لخلع ثوب التخلف وارتداء ثوب العزة والكرامة والانطلاق الى مصاف الدول المتقدمة.