أكد الباحث مشاري الذايدي أن الإشكال الذي تعاني منه المراكز الفكرية هي في الشح الكمي والنوعي، سواء من حيث قلة عددها أم من حيث الانخفاض في مستوى الجودة وتردي النوعية في الدراسات والأبحاث المقدمة، كما أنها تعاني من «قلة التخصصات والتسييس المبالغ فيه، مع غلبة الانتصار للآيديولوجيا وهي لدى كل التيارات الفكرية». وأضاف: «أن عطاءات المراكز الفكرية ليس فيها من إضافات نوعية بالشكل الذي يؤمل عليها»، لافتاً إلى «أن أحداث ال11 من أيلول (سبتمبر) جعلت المجتمع وكأنه للتو يكتشف نفسه ووضعيته الفكرية، كما أن الأحداث مكّنت من إيجاد بعض من المحاولات الجادة في مضمار البحث الفكري من خلال إنشاء مراكز شبه المتخصصة، وطرح القضايا الفكرية على طاولة الندوات والفعاليات الفكرية». وأشار الذايدي إلى وجود «التسييس في كل شيء، فموضوع الدراسات حولناه إلى مسألة نضال وللأسف، فمواضيع الطائفية والإصلاح والإرهاب والديموقراطية والمشاركة السياسية أمثلة على ذلك»، مؤكداً أن «بعض المراكز تقوم بتناول الظاهرة الفكرية وتفسيرها بطريقة تخدم أجندة سياسية معينة، من دون أن يتم درس القضية كظاهرة قائمة بحد ذاتها ولها مسبباتها الداخلية». وأوضح أن حال التسييس الموجودة في الدراسات تتطلب ضرورة وجود الوعي لدى القارئ لدفع التلبيس الذي قد يتولد منها، مبيناً أن: «سيطرة التوجهات الفكرية والانتصار للتيارات لا تقتصر على تيار الصحوة وحده، ولكن لأنه الأقوى فهو الأظهر في ذلك، كما أنها ظاهرة موجودة في كل مكان، ولعل مركز دراسات الوحدة وخدمته لاتجاهات قومية عربية أبرز مثال على ذلك، على رغم الغزارة والعمق في عطاءاته». وأشار الذايدي إلى وجود تجمعات بحثية تعالج الظواهر الفكرية بطريقة هي أقرب للوعظ والإرشاد منها للطريقة العلمية الموضوعية، مضيفاً أن الغرض من كثرة العناوين لدى بعض الدور هو ل«التظاهر المهرجاني»، مبيناً أن علاقة المجتمع الخليجي بالثقافة البحثية ليست على ما يرام، كون المجتمع «لم يتعود، والمسألة تحتاج إلى وقت، وغلبة الإنتاج السريع دائماً ما تكون على حساب الجودة والنوعية». وبيّن أن إنجازات المراكز الفكرية لم تكن على قدر متواز ومتناسب مع حدث الربيع العربي، مشيراً إلى أن إنجازات المراكز كان عبارة عن مجموعة من المقالات الصحافية أو التغريدات ال«تويترية» جُمعت بين دفتي كتاب، قائلاً: «ما وجدناها عبارة عن احتفال وإشادة وكلام شعري ومديح للربيع العربي، ولم يأتِ من يتصدى للموضوع بجدية وتجرد تام». وأضاف: «أن عاملي العجز والكسل سيطرا على الباحثين تجاه ظاهرة الربيع العربي»، مبيناً أن «أخذ موضوع الربيع العربي على أنه شرارة البوعزيزي فقط - كما في الطريقة الدارجة - هي نوع من الاستسهال الذي كان من نتائجه الضعف والكسل، على رغم أن موضوع الصفعة التي تلقاها البوعزيزي لم نتأكد من صحتها حتى الآن». وبيّن الذايدي أن الإقبال المتعاظم نحو مواقع التواصل الاجتماعي قد قلل من الاهتمام بالجانب البحثي والعلمي، موضحاً أن «المشكلة التي يعانيها المجتمع هي ليست فيمن يكتب، وإنما هي فيمن يقرأ، ولعل انتهاء موضة «تويتر» قد تدفع الناس للالتفاف نحو القراءة الجادة والابتعاد عن تلك القشور».