كادت «التشوهات» البادية على أنف الشاب السعودي عبد العزيز تقف حاجزاً بينه وبين إتمام مراسم زواجه، بعدما اشترطت خطيبته عليه لإتمام حفلة الزفاف «إجراء عملية جراحية، لتصغير حجم أنفه، وإزالة التشوهات». وهو ما دفعه لاستشارة رجال دين، «لمعرفة الحكم الشرعي في مثل هذه العمليات التجميلية» بحسب قوله. ودخل عبد العزيز، الذي أكمل بالكاد عامه ال25، في «دوامة»، بسبب «تضارب الأحكام والأقاويل حول مشروعية هذه العمليات»، إذ حرمها بعض الفقهاء لكونها مما «لا يشتمل على دوافع ضرورية، ولا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير خلق الله، والعبث بها بحسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو محرم، ولا يجوز فعله»، بحسب ما أخبره أحد المشايخ. لكن عبد العزيز قرر أن يسلك «الطريق المباح»، الذي سمح به أحد المشايخ «لأن التشوه ناتج من حادثة منذ الصغر. وهو ما ينعكس على نفسيته واستقراره الأسري. وهذا لا يتعارض مع الشرع». ويقول: «أجريت العملية التي كلفتني مبلغ يفوق ستة آلاف ريال (1750 دولاراً). واكتسبت نظرة مختلفة من قبل المجتمع، وكذلك رضا خطيبتي، التي دفعت نصف الكلفة». وشهدت عيادات التجميل في السعودية خلال العقد الأخير تحولاً جذرياً، فلم تعد مقتصرة على النساء وإنما صارت تضج بالذكور. وبعدما كانت تقتصر على تعديل التشوهات وإزالة «النتوءات» تنوعت العمليات وتوسعت لتشمل تصغير صدر الرجل، وإزالة الشعر الزائد بالليزر، وشفط الدهون، وزراعة الشعر، وغيرها. ويؤكد منير الذي يعمل في أحد مراكز التجميل في مدينة الرياض، أن «مراكز التجميل تشهد إقبالاً متزايداً من الذكور، حالياً. بعد أن كان وجود الرجل فيها أمراً نادراً». وساهمت العادات الاجتماعية، وبعض الآراء الشرعية، في تحجيم الإقبال على التجميل بين الذكور، بسبب الجدل القائم حول شرعية هذه العمليات، التي تتباين ضرورتها، أو أنها مجرد عمليات تحسينية فقط، تقلل من المظهر الرجولي أحياناً. ويرجع مختصون في التجميل، زيادة العمليات التجميلية للرجال، إلى «ارتفاع مستوى الوعي لدى الأفراد أنفسهم، واطلاعهم على أنواع العمليات المختلفة، من خلال القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، التي ساهمت في إطلاع الفرد على مستويات الجمال المطلوبة، والتي كانت مجهولة في الماضي. فيما ساهمت العولمة في تحفيز الفرد على القبول الاجتماعي، والتخلص من القلق النفسي الذي كان يعيشه، بسبب تشوهات جسدية معينة». ويعيد آخرون سبب رواج هذه العمليات في السعودية إلى «حرص الشباب على متابعة المشاهير العالميين وتقليدهم ما يساهم في خلق رغبة جدية في الظهور بمظاهر مختلفة لا يمكن أن تكون، إلا من طريق عمليات التجميل». وتتربع عمليات تصحيح الأنف والأذن على قائمة أكثر العمليات التجميلية للرجال، بحسب الدكتور محمد حسنين، الذي قال: «غالبية العمليات هي لشفط الدهون من منطقة البطن والصدر والأرداف. وكذلك عمليات إزالة الشعر الزائد بالليزر، أو زرع الشعر في مناطق الرأس المختلفة»، مبيناً أن عمليات التجميل «لا تقتصر على ذلك، بل امتدت إلى حقن «البوتكس»، وإزالة خطوط الشيخوخة المبكرة، إضافة إلى عمليات تصغير الأرداف أو تكبيرها، التي شهدت رواجاً كبيراً في أوساط الشباب». ويرجع الاختصاصي الاجتماعي عبدالله السعيد دوافع الرجال في إجراء عمليات التجميل، إلى «المعاناة النفسية، بسبب عيب معين في المظهر والهيئة، ناجم عن حادثة، أو عيب خلقي منذ الصغر، إذ يذهب هؤلاء لإجراء الجراحات التي تزيل هذه العيوب، وتعدلها، كي يتمكنوا من تخطي الحواجز النفسية التي سببت هذه العيوب». ويرى السعيد، أن «انتشار هذه العمليات، خصوصاً تصغير الثدي للرجل، أو تعديل اعوجاج الأنف، والعمليات التي لا تتعلق بالجانب النفسي، مثل نفخ الشفتين، هي بسبب الدعاية والترويج لهذا المظهر في المواقع الإلكترونية والمحطات الفضائية، مبيناً أن «البرامج التلفزيونية واحترافيتها واستخدامها أساليب متعددة لجذب الناس، لعبت دوراً كبيراً في كسر قيود اجتماعية ودينية كانت مفروضة على المجتمع، ما ساهم في تنامي ظاهرة حب التقليد الأعمى، خصوصاً في أوساط الأسر الغنية». ويعتقد أن هناك برامج ذات شعبية عالية مخصصة للتجميل وتغيير المظهر «ساهمت في الإقبال المتزايد على الجراحة التجميلية، إذ أجريت أكثر من سبعة ملايين جراحة في الولاياتالمتحدة، بعد عرض هذه البرامج، قبل نحو خمس سنوات». وبضيف أن «السعودية ليست بمعزل عن العالم، والكون أصبح قرية صغيرة، والتأثير واضح على المجتمعات المختلفة».