رحل نايف بن عبدالعزيز، رحم الله نايف بن عبدالعزيز. خالص العزاء لخادم الحرمين الشريفين ولجميع أفراد العائلة المالكة، ومنسوبي وزارة الداخلية كافة. وكل فرد في الشعب السعودي الكريم. ودعاؤنا لله العلي القدير أن يلهم أبناءه وبناته وأهله الصبر والسلوان. رحل نايف بعد (60) عاماً من العطاء من دون كلل أو ملل. حمل الأمانة بصدق وعزم وإرادة ورؤية. كان صاحب رؤية ومنهج ومدرسة في أهم عنصر من عناصر استقرار الأوطان، كان قدر نايف أن يكون المسؤول الأول عن الأمن في مراحل متعددة من التاريخ السعودي الحديث، وهل تكوِّن الدول، وتستقر الأوطان، وتسعد الشعوب، من دون الأمن؟ التطوير المتواصل للمنظومة الأمنية التي يمكن لنا أن نفاخر بها جميع دول العالم، كانت تلك المنظومة واحدة من مآثر نايف بن عبدالعزيز ورؤيته البعيدة المدى لتكون المملكة العربية السعودية بلداً يأمن فيه المواطن والمقيم، والحاج والمعتمر، على حد سواء. الأمن كالصحة لا تلمس آثارهما إلا بغيابهما، لذا فإن ما تم على الصعيد الأمني يسري في لا وعي كل من يعيش على أرض هذا الوطن، أو تطأ قدماه تراب المملكة العربية السعودية. ترؤسه للجنة الحج العليا لعقود طويلة ضبط رحلة الحج وأكد أهم ركائز الحكم، وهو الأمن، في قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، فتزايدت بل تضاعفت أعداد الحجاج وانسابت حملات المعتمرين على مدار العام، حتى وصل عددهم الملايين من جميع بقاع الأرض ومختلف الجنسيات. اختيار نايف بن عبدالعزيز رئيساً لمجلس وزراء الداخلية العرب لم يأتِ من فراغ، فحنكته الأمنية ورؤيته الإستراتيجية مكنته من تبوء هذه المكانة اعترافاً بالإنجازات الأمنية التي حققتها المملكة وشهد لها العالم. كانت المملكة، بحكم موقعها المميز ومكانتها العالمية، من أوائل الدول التي تعاملت مع الإرهاب والإرهابيين من دون أن يؤثر ذلك على مسيرتها. مضت فترة كان الإرهاب الدولي في الخليج بقيادة وتدبير إيران يتجه نحو المملكة العربية السعودية، مستغلاً موسم الحج لتصدير ثورته، وسبقها قلاقل أمنية من الداخل توجتها حادثة الحرم المكي، بفعل فكر ديني متطرف مستورد، مروراً إلى ما بعد حرب الخليج وغزو الكويت، ووصولاً إلى أحداث نيويورك وما تلاها من ممارسات «القاعدة»، إلا أن الإجراءات والحكمة السعودية في التعامل مع كل تلك الأحداث أدارها نايف بن عبدالعزيز باقتدار وعزيمة لا تعرف الوهن. رحل نايف وترك مدرسة أمنية وطنية تستمد منها الأجيال المتعاقبة معرفتها وممارستها وتطويرها لكي تعيش المملكة العربية السعودية تفاخر وتحمي ركيزة من أهم ركائزها ودعامة استقرارها في وقت تتضخم فيه المسؤوليات الأمنية بعد اضطرابين إقليمي ودولي مرهق، يقابل ذلك نهضة تنموية شاملة تعيشها المملكة. نحن كشعب ومجتمع متماسك ومتطور وينشد العلياء في كل مجال نثق بقيادتنا وولاة أمرنا في هذه البلاد، إن أمننا وأمن وطننا أولوية إستراتيجية لم ولا ولن يسبقها أي أولوية أخرى قيادتنا التي «إذا خلا سيد قام سيد»، أثبتت على مدى تاريخها تميزاً غير مسبوق في إدارة وقيادة سفينة الوطن، واختيار الأكفاء لتستمر المسيرة وينعم الشعب بالأمن والرفاه. رحم الله نايف بن عبدالعزيز، وأسكنه فسيح جناته، وجعل كل ما عمل في تثبيت وتطوير الأمن في ميزان حسناته، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين والعائلة المالكة الكريمة في مسؤوليتهم العصيبة التي تتعاظم وتتعقد كل يوم، كما ندعو الله جل جلاله أن يوفق الشعب السعودي، الذي أثبت على مدى تاريخه المعاصر، أنه أهل للمسؤولية والولاء وجدير بهذا الوطن الذي تتقاطر عليه أعين الحساد من كل حدب وصوب... حفظ الله الوطن. * باحث سعودي. [email protected]