تبدو بلدة سلوان، من على سور «المسجد الأقصى»، مثل مخيم شديد الاكتظاظ: مئات البنايات المتلاصقة المفصولة عن بعضها البعض بشوارع ضيقة أشبه ما تكون بالأزقة. ومن وسط هذا المشهد، تظهر علامات ورموز غريبة قادمة من مشهد آخر: أعلام إسرائيلية على أسطح وواجهات بعض المباني والبيوت المتناثرة في أنحاء البلدة وحواريها المكتظة على أهلها. ومن بين هذه البيوت التي سيطر عليها المستوطنون، وعددها 56 بيتاً ومبنى، مقر لجمعية استيطانية متخصصة في تهويد العقارات في مدينة القدس هي «جمعية إلعاد» أو «عير ديفد» باللغة العبرية. وقال فخري أبو دياب، أحد الناشطين في الدفاع عن البيوت المهددة في البلدة البالغ عدد سكانها 50 ألفاً، إن السلطات الإسرائيلية استخدمت وسائل تحايل متعددة للاستيلاء على هذه البيوت وتهويدها، مضيفاً: «85 في المئة من هذه البيوت تعود لمواطنين جردتهم السلطات من حق الأقامة وسيطرت على ممتلكاتهم وفق قانون (أملاك الغائب) الذي يتيح لها السيطرة على كل بيت وعقار لم يعد أصحابه موجودين في القدس». وتابع: «أما بقية المباني، فاستولت عليها السلطات الإسرائيلية، إما عبر التزوير أو عبر قانون (استعادة تراث الأجداد)، وهو قانون يتيح للسلطات الاسرائيلية الاستيلاء على أي مبنى أو عقار كان يعود ليهود في يوم من الأيام». وسربت السلطات الإسرائيلية جميع العقارات التي استولت عليها في سلوان للجمعية الاستيطانية الناشطة في تهويد المباني والعقارات في أنحاء القدس لتحولها بدورها إلى بؤر استيطانية تتوسع بأشكال مختلفة، خصوصاً إضافة طبقات أو أجنحة جديدة للمباني والبيوت القائمة. وتشق جيبات عسكرية وشرطية إسرائيلية، على مدار اليوم، طريقها وسط الأحياء المكتظة لمرافقة أفراد وعائلات من المستوطنين في طريقهم من هذه البؤر الاستيطانية وإليها. وأشارت تقارير لوسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الحكومة الإسرائيلية تنفق 75 مليون شيكل (نحو 20 مليون دولار) سنوياً لتوفير حراسة للمستوطنين المقيمين في بلدة سلوان. ويقول أهالي البلدة إن الجمعية الاستيطانية المذكورة التي تحظى بدعم من مؤسسات وشخصيات يهودية حول العالم، توظف أيضاً شركات حراسة خاصة للمستوطنين في البلدة. ولم تتوقف المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تهويد هذه البلدة التي تعتقد جماعات يهودية أنها كانت ذات يوم مقراً ل «الملك داود»، عند حدود الاستيلاء على 56 عقاراً فيها، بل تكثفت في السنوات الأخيرة على نحو يشعر أهالي سلوان معه بوجود خطة محكمة لهدم البلدة وتهجير أهلها واستبدالهم بمستوطنين. فقبل ثلاث سنوات، أصدرت بلدية القدس الإسرائيلية قراراً يقضي بإزالة حي كامل من البلدة هو «حي البستان» وتحويله إلى حديقة أطلقت عليها اسم «حديقة داود»، مدعية أن الحي أقيم على أرض كانت في عهد «مملكة يهودا» حديقة للملك داود. وبينت منشورات للبلدية التي يقودها مسؤول يميني يدعى نير بركات، أن خطتها هذه تهدف إلى «استعادة تراث الأجداد» و «إعادة إحياء الحديقة التي لها رمزية عالية في التاريخ اليهودي». ويشمل قرار الهدم 88 بيتاً يقطنها 1500 مواطن. ورد أهالي الحي بتقديم اعتراض إلى المحاكم الإسرائيلية على قرار الهدم والتشريد. وقال أعضاء في لجنة شكلها أهالي الحي للدفاع عنه إن البلدية عرضت عليهم أرضاً بديلة لإقامة بيوت لهم عليها بعد هدم بيوتهم، الأمر الذي رفضوه بشدة. وأوضح أبو دياب: «أولاً لا نقبل نحن ولا أي إنسان بأن يقتلع من أرضه وبيته، وثانياً السلطات الإسرائيلية تريد نقلنا من أرضنا إلى أرض أخرى صادرتها من فلسطينيين آخرين، وثالثاً سلوان بلدة فلسطينية ويجب أن تظل فلسطينية». وقبل أيام، صادقت المحكمة الإسرائيلية على هدم دفعة أولى من بيوت الحي تضم 29 بيتاً. ويتوقع الأهالي أن تصادق المحكمة على هدم الجزء الآخر من الحي بعد الدفعة الأولى من البيوت. وتبع قرار المصادقة على هدم البيوت ال29، قرار آخر ل «لجنة التخطيط والبناء» في بلدية القدس يقضي بإقامة متحف تلمودي على أرض مصادرة في قلب حي آخر في البلدة هو «حي وادي حلوة». ونقل محامون للجنة الدفاع عن البيوت المهددة في سلوان تفاصيل القرار الذي اتخذته اللجنة في اجتماع عقدته في مقر «جميعة العاد» الاستيطانية في البلدة، ونص على إقامة المتحف على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع. وسيضم المتحف مغاطس عدة تحت الأرض، ومواقف للسيارات. ونقل المحامون للجنة أن المتحف الذي تمول إنشاءه «جمعية العاد» سيخصص لتوثيق التاريخ اليهودي في سلوان. وقال أبو دياب: «يريدون مسح أدمغة السياح واليهود وتبرير الاحتلال والهدم والمصادرة والتشريد». وكشفت «مؤسسة الأقصى»، وهي مؤسسة فلسطينية في القدس تعمل على الحفاظ على التراث الإسلامي في المدينة، في تقرير لها قبل أيام أن إقامة المتحف المذكور، على مقربة من باب المغاربة، أحد اشهر أبواب البلدة القديمة، هو جزء من مشروع أوسع لبلدية القدس يحمل الرقم 4654، ويقضي ببناء مواقع تسمى «الجذب التوراتي» في القدس. وقالت المؤسسة في تقريرها إن المخطط يرمي إلى تطويق المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية والغربية بسبعة أبنية تهويدية ضخمة، «ستشكل مرافق الهيكل المزعوم».