في عالم يموج بالتغيرات، وتنشط فيه حمى الحراك، وتتوالى تقارير التنمية، تتصدر المرأة قائمة القضايا الاجتماعية، وقد تخبط بعض من أسموا أنفسهم الناشطين في هذه القضية؛ لأنهم كانوا بمعزل عن شرع الله القويم، فجاءت أحكامهم مشوبة بالظلم، مغلفة بهوى النفس، تحمل رؤى فضفاضة ضبابية، وتنفذ أجندة خارجية. وأضحت المرأة الضحية في تلك الاجتهادات البشرية، وانقسم الناس حيال قضيتها إلى قسمين، غال في مطالباته، متجاوز في أطروحاته، لا يعي خطورة ما يكتبه، ولا هشاشة ما يدعو إليه، يخطو آثار كل مستغرب، ويخترق سد الذرائع إلى الرذائل، ويقمش عبارات من هنا وهناك على جادة القص واللصق، ليجعل كبش فدائه المرأة تحت شعار الحرية، والمساواة، والتنمية الشاملة، والنهوض، والتمكين، وإذا بالمشاريع التنموية العظيمة المبشرة بتغيير إيجابي يختزل في مشروع (الاختلاط) أو ما يحلو لهم تسميته ب(العمل المشترك) للتضليل والتعمية، لكن الحقائق لا تغيرها المسميات، وما الذي قدمه مشروعهم الكبير لتونس ومصر ومن حولنا من بلاد عربية؟ وهل قادها إلى مصاف الأمم المتقدمة. لقد اختُزلت قضايا المرأة في مطالب الأقلية، وغيبت قضايا الغالبية، وجاءت سياسة افتعال القضية، وشغل الرأي العام بها، خطوة لإغفال قضايا المرأة الحقيقية، كاستغلال النساء في سوق العمل غير الرسمي، وأثر تكاليف السكن على الاستقرار الأسري، وحل المشكلات الصحية، وحقوق المطلقات والأرامل، وحماية نصيب المرأة في الميراث، وهلم جرا.. وممثلو هذا التيار يعانون من مشكلة في التركيبة الفكرية، وغبش في الرؤية الثقافية في ما يخص المرأة في أقل الحالات، ويبحثون في الكثير عن الأضواء والشهرة على حساب قضايا المرأة السعودية، ويعينون أنفسهم الناطقين باسمها، ويسعون للتغيير القسري للمجتمعات ضاربين بالديموقراطية عرض الحائط مع أن حناجرهم بحت من ترديدها. وأما القسم الآخر: فجاف في شأن المرأة، يرى أنها نالت كل حق، وتربعت عرش كل فضل، وأن لا ظلم ولا خوف عليها، ويغمض عينه في إصرار عجيب عن كل واقعة تكذب مقاله، يغلب العادة والتقليد على النص الشرعي. والعاقل من يرى في مجتمع النساء حقوقاً مسلوبة، سلبت منها على يد رجل جاهل بالشرع، أو على يد مستغرب يطير بكل تقرير لم يحل مشكلات من تبنوه، وأسهم في تحقيق مراد الطرفين جهل المرأة بكثير من حقوقها الشرعية التي منحها الإسلام، أو معرفة الحق من دون آلية الوصول إليه، وضعف التدين الحقيقي المانع من ظلم من حرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه. في حين أن الإسلام جعل للمرأة قضية ثابتة، لها حقوقها وعليها واجباتها، ولا تتقاضى حقاً، ولا تتلقى واجباً من مخالب الفتنة الجامحة، ولا من براثن المصنع الشحيح، وإنما هي صاحبة هذه الحقوق والواجبات بالنص الشرعي الذي قرره الله في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته وسيرته، على فهم السلف الصالح لا المتعالم الذي يهرف بما لا يعرف، وعلى يد عالم رباني متمكن من النص الشرعي، يسعى لإعطاء كل ضعيف حقه، بل ويحمي هذا الحق من المنع أو الانتقاص، لتنعم المرأة والمجتمع بنهضة حقة، ويتم لها المشاركة الإيجابية في التنمية الحقيقية لا المزعومة من دون أن تمر بمآسي كثير من نساء العصر، وبالتالي تكون أنموذجاً عدلاً له السيادة والريادة لا مستورد يذهب بأجمل ما عندنا ولن يأتي بأفضل ما عند الدول المتقدمة. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]