مُشاهدة البرنامج الوثائقي «ملاعب الكراهية» الذي أعده الصحافي كريس روجرز لمحطة «بي بي سي بانوراما» التلفزيونية تفسر أسباب تصاعد أعمال الشغب التي تشهدها بطولة أمم أوروبا لكرة القدم، ولماذا تعجز السلطات في البلدين المنظمين، أوكرانيا وبولندا، عن وقفها على رغم الشروط الصارمة التي وضعها اتحادا الكرة الأوروبي والدولي، قبل الموافقة النهائية على استضافتهما البطولة، ومنها تحملهما المسؤولية كاملة، وإلى أقصى درجة، للحد من مظاهر العنصرية والعنف داخل الملاعب وخارجها وتأمين سلامة المشجعين. العجز عن وقف الممارسات المسيئة للروح الرياضية وقيمها في البلدين شخّصه الصحافي البريطاني قبل انطلاق البطولة عندما ذهب إلى مدن متفرقة فيهما، وقبل شهر كامل، سجل خلالها الكثير من المظاهر التي تشير إلى انتشارها. قام بدور الشاهد على حقيقة ما يجري هناك. دخل مباريات كثيرة للأندية المحلية وصوّر الكثير مما يجري فيها بكاميرته التي اضطر أحياناً إلى إخفائها، كما قابل مسؤولين من الدولتين وسألهم عن أسباب التفشي المخيف للعنف بين المشجعين وهل بإمكانهم وقفه خلال البطولة؟ عنصرية الملاعب البولندية وبصفته بريطانياً فعنف الملاعب وعنصريتها ليسا غريبين عليه بالكامل، وبإمكانه الإجابة، إلى حد ما، عن الأسئلة ذاتها لو تعلق الأمر بجمهور بلاده أو بقية دول غرب أوروبا، لكنه أراد هذه المرة معرفة مثيلاتهما في شرق أوروبا وتحديداً في البلدين المضيفين. في مدينة لوج البولندية شهد روجرز أولى مظاهر الشغب في مباراة جمعت ناديين محليين تصادم خلالها المشجعون مع رجال الشرطة، وفي الداخل كانوا يتبادلون الشتائم، ويقذفون لاعبي النادي الخصم بأقذع الكلمات والأوصاف المحملة بمدلولات عنصرية تعبر عن مكنونات داخلية تكره السود واليهود والأجناس الأخرى وتمجد النازية الألمانية. وفي وارسو العاصمة، استقبلته في محطة قطاراتها الشعارات العنصرية والرموز النازية المرسومة على حيطانها، مثل الصليب المعقوف أو شعارات منظمة «القوى البيضاء». وداخل الملاعب شهد موجات من أعمال العنف، قادتها مجموعات منظمة، كانت تدار من قبل ما يسمى «النواة المحركة» المُشَكَلة من أكثر المشجعين صخباً وإثارة للمعارك. وغالباً ما يرتدي المنضوون إليها قمصاناً يطبعون عليها رسوماً وكتابات صارخة في عنصريتها. أما صرخاتهم فزاخرة باحتقار ذوي الأصول الأفريقية، وقد عبر عنها اللاعب أوغو أوكا، خلال البرنامج الذي بثه التلفزيون السويدي: «إنهم يصرخون بكلمات نابية كلما أمسكت الكرة وما عليّ، لكثرة مردديها، سوى تجاهلها لعِلمي بعدم جدوى تقديم شكوى ضدهم إلى الاتحاد، وحتى حكم المباراة لا يعبأ بها فكل ما يطلبه بعد سماعها هو الاستمرار باللعب». من خلال تحرياته توصل الصحافي إلى معرفة تلقي رابطة الكرة الأوروبية خلال عام 2008 وحده أكثر من مئة شكوى جدية ضد الجمهور البولندي، أما اتحادها فكان يكتفي بتغريم النوادي المشتكى ضد مشجعيها مبالغ بسيطة وهذا ما يعترض عليه بعض الناشطين في منظمات محلية تطمح إلى الحد من عنف الملاعب وتريد وضع قوانين أكثر تشدداً. أوكرانيا... كراهية أكثر فوجئ محرر «بي بي سي بانوراما» بوجود مظاهر الشغب والعنصرية في أوكرانيا، بدرجة أسوأ حتى من بولندا. والأدهى أن الشرطة تنأى بنفسها عن كل ما يجري في ملاعبها، وحين نقل روجرز ما شاهده في الملاعب من ممارسات عنصرية وسماعه هتاف الجمهور وبصوت واحد بالتحية النازية، نفى مدير شرطة مدينة خاركيف ذلك، وقال إنها ليست بالشكل الذي يتصوره وإنها مجرد رفع للأيدي في تحدٍّ للخصم. لم يترك المحرر الأمر عند هذا الحد فراح وجلس بين الجمهور وصوّر كل التفاصيل بما فيها موقف رجال الشرطة السلبي من الاعتداء الذي تعرض له طلاب هنود جاؤوا لتشجيع فريقهم، فهاجمهم المتطرفون وانهالوا عليهم ضرباً. ولم يكتفِ بهذا المقدار، بل رتب لقاءات مع «الوطنيين» المغالين في عدائهم للأجانب داخل الملاعب وأجرى معهم مقابلات سجلها خفية كشفت عن توجهات أيديولوجية قومية جديدة آخذة بالاتساع، تنتشر بينهم وحتى بين الأطفال من مشجعي أنديتهم، وعدم تدخل المسؤولين للقيام بأي عمل لتحجيمها والحد منها. ما جمعه من حقائق أراد عرضه على رئيس الاتحاد الأوروبي ميشال بلاتيني لكن الأخير اعتذر عن عدم مقابلته لضيق وقته! أما السؤال فاتسع ووصل حد توجيه اللوم للاتحاد العالمي نفسه على قبوله طلب بلدين غارقة ملاعبهما بجحيم من الكراهية والعنصرية باستضافة فاعلية رياضية بحجم بطولة أمم أوروبا. وبدلاً من بلاتيني التقى الصحافي الكابتن السابق للمنتخب الإنكليزي سول كامبل الذي عانى بسبب لونه من عنصرية ملاعب بلده، وعرض عليه ما صوره في أوكرانيا. دُهش الكابتن واعتبر أن ما يجري هناك لا يمكن مقارنته بأي شكل بما تشهده الملاعب البريطانية، كون الشرطة تلعب فيها دوراً كبيراً في حماية اللاعبين والجمهور. أما في هذين البلدين فليس من المستبعد تعرض حياة أي لاعب غير أبيض لخطر حقيقي. وعن سؤاله ما إذا كان يقبل بسفر عائلته إلى مدينة خاركيف لمتابعة مباريات المنتخب الإنكليزي أجاب بالنفي، فالأفضل مشاهدتها عبر التلفزيون فليس من ضمانة، بعد ما شاهده من تسجيلات، تمنع عودتهم إلى وطنهم في توابيت!