زيارة وزيرة الخارجية الأميركيّة، هيلاري كلينتون دول القوقاز أخيراً، تُخفي وراءها أهدافاً سياسية غير معلنة أهمها محاولة تطويق إيران وعزلها وإطاحة طموحاتها الإقليميّة. وتحيط بإيران حالياً دول ضعيفة وغير مستقرة، ما خلا تلك الموجودة في القوقاز. ولا يخفى على احد ان إضعاف الخصم يبدأ بمحاصرته بأنظمة فاشلة وغير مستقرة، أي عزله جيوسياسياً. ومآل الأزمة السورية حيوي في ميزان المصالح الإيرانية. فإذا صمد نظام الأسد، تعاظمت عزلة سورية دولياً، وتزايد الاعتماد السوري على إيران. فيمتد النفوذ الإيراني من أفغانستان شرقاً إلى لبنان غرباً. فتبدّل التوازنات في الشرق الأوسط، وتهيمن إيران على الخليج. وتحمل هذه التصورات المستقبليّة الغرب على انتهاج مواقف صلبة وحازمة ازاء الازمة السورية. وأشار الإعلام الغربي إلى أن مشروع التدخل الغربي في الأزمة مرده إلى ضرورة قطع صلة إيران بسواحل البحر المتوسط. وإذا سارت الأمور في سورية على ما يشاء الغرب، أي أدت إلى سقوط الأسد أو دخول سورية في أتون حرب أهليّة، انتقل ثقل الاهتمام الغربي إلى القوقاز. فإيران ستستنفد مواردها لدعم حليفتها الاستراتيجيّة سورية. ويتحدث الخبراء والسياسيون الغربيون عن ثلاثة نزاعات جيوسياسية في القوقاز: نزاعات الطاقة؛ والنزاع على جمهورية ناغورني قره باخ، في وقت تعترف موسكو باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة؛ وقواعد الإرهابيين من الأصوليين الإسلاميين في القوقاز الشمالي. ويتطلب تطبيق استراتيجية تطويق إيران انتهاج أساليب تتراوح بين ضغوط سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة إلى نزاعات عسكريّة محليّة أو واسعة على نطاق إقليمي قرب حدود إيران الشماليّة. ويهدف الغرب كذلك إلى حماية خطوط الطاقة والمواصلات في المنطقة، خصوصاً طريق المؤن الحربية إلى أفغانستان. والاتفاقات الأخيرة مع دول آسيا الوسطى في هذا المجال لا تقلل أهمية الخط الشمالي عبر القوقاز. فالغرب يسعى الى إرساء توازن دقيق بين الأهداف التكتيكيّة والاستراتيجيّة. فالأهداف الأولى ترمي الى حماية خطوط المواصلات، والثانية الى افتعال توتر منظم في القوقاز. ولبلوغ أهدافه التكتيكيّة يعزز الغرب قوة أذربيجان العسكرية. فالإدارة الأميركيّة تزود باكو نظام «باتريوت» للدفاع الجوي متجاهلة اعتراضات اللوبي الأرمني، لكي تؤمن الحماية اللازمة لبنى قطاع الطاقة التحتيّة في أذربيجان وعلى الحدود مع إيران. والغرب سينتهز فرصة اندلاع أي توتر جديد على جبهة ناغورني قره باخ للتّدخل في المنطقة عبر الضغط على أرمينيا بسبب تحالفها مع روسيا. وحدها روسيا تملك القدرة على تغيير قواعد اللعبة في القوقاز، اذا تفاقم التوتر. لكنها لم تخط سياسة واضحة لبلوغ مآربها. فموسكو تترك خيارات المناورة مفتوحة أمامها، وبلغ بها الامر مبلغ دعم الغرب في سياسته في القوقاز. * صحافي عن «موسكوفسكي نوفوستي» الروسيّة، 9/6/2012، إعداد علي شرف الدين