مرة بعد مرة بعد ألف مرة كتبت في هذه الزاوية أن إسرائيل أكثر بلد مكروه حول العالم، إلا أنني كاتب عربي يُنتظر منه أن يقول مثل هذا الكلام. اليوم عندي توثيق لرأيي في إسرائيل من مصدر مستقل غير متهم مثلي. أو هي مصادر، فأمامي استطلاع عالمي للرأي العام في 22 بلداً من الشرق إلى الغرب (ليس بينها من الدول العربية غير مصر)، والاستطلاع نظمته مؤسسة غلوبسكان وهي هيئة استشارية دولية للرأي العام تنشط في 90 بلداً، وبرنامج اتجاهات السياسة الدولية في جامعة ماريلاند الأميركية، وهيئة الإذاعة البريطانية. هذه مصادر لا يرقى إليها شك ولا تعرف «العك واللك» فماذا وجدت؟ هي وجدت أن إسرائيل وباكستان وإيران وكوريا الشمالية أكثر بلدان مكروهة حول العالم. أصرّ على أن إسرائيل أكثر بلد مكروه في العالم من دون منازع، فالدول الثلاث الأخرى لها علاقة بحرب وبرامج نووية، أما إسرائيل فمكروهة كدولة فاشيستية عنصرية تحتل وتقتل وتدمر وتتحدّى ضمير العالم كل يوم. طبعاً، لا يجوز أن يغيب عن فكر القارئ العربي أن إسرائيل مكروهة رغم أنها تتمتع بحماية جزء كبير من الميديا العالمية، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، حيث الصحف الليبرالية نفسها تتستّر على جرائم إسرائيل أو تجد لها المبررات، في حين أن الإعلام اليميني والليكودي شريك مباشر في جرائمها، ليس ضدّ الفلسطينيين فقط، بل ضدّ الإنسانية. هذا الإعلام جعل النظرة الأميركية إلى إسرائيل قريبة من الإيجابية. غير أن العالم القديم ليس محدث نعمة كالولاياتالمتحدة، وأقرأ أن الرأي العام سلبي ضد إسرائيل بنسبة 56 إلى 20 في فرنسا، و68 إلى 16 في بريطانيا، و69 إلى 16 في ألمانيا و74 إلى 12 في إسبانيا. هذه أرقام قياسية في دول ديموقراطية لا يحلم أي حزب حاكم في انتزاع مثلها. في روسيا ونيجيريا وكينيا الأرقام أفضل لإسرائيل، ولكن في مصر الرقم هو 85 إلى سبعة، وفي باكستان 50 إلى تسعة، وفي إندونيسيا 61 إلى ثمانية. ولعل أكثر الدول ضيقاً بإسرائيل هي اليابان حيث نسبة الردود الإيجابية لم تتجاوز ثلاثة في المئة مقابل 40 ضدها، وكوريا الجنوبية بمعدل 60 إلى 20. وكان لافتاً موقف كندا، جارة الولاياتالمتحدة إلى الشمال، ففيها إعلام يؤيد إسرائيل، ومع ذلك فالموقف السلبي من إسرائيل فيها كان 59 إلى 25. الاستطلاع شمل 22 دولة هي الولاياتالمتحدةوكندا والصين والمكسيك والبرازيل وبيرو وفرنساوألمانيا وبريطانيا وإسبانياوروسيا ونيجيريا وكينيا وغانا ومصر وأستراليا وكوريا الجنوبية والصين وإندونيسيا واليابان والهند وباكستان، ووجهت أسئلة إلى 24090 مواطناً من هذه الدول بين 6/12/2011 و17/2/2012 ونشر هذا الشهر. لاحظت في التقرير أن سمعة إسرائيل ساءت في بلدان عدة منذ آخر تقرير لمجموعة البحث نفسها، ولا يمكن عزل هذه المواقف عن ثورة التكنولوجيا، فالناس أصبحت تعرف أكثر، وترى وتسمع كل يوم ما لم يكن متوافراً لها قبل سنوات. وهكذا، فالعالم كله شهد الأسبوع الماضي مستوطنين مجرمين لا حق لهم بالوجود في أي مكان من فلسطين كلها يطلقون النار على متظاهرين فلسطينيين عُزَّل يدافعون عن أملاكهم فيما وقف جنود جيش «الدفاع» الإسرائيلي يتفرجون على الجريمة، أي يشاركون فيها. هذه تطورات لم يتوقعها المتطرفون الإسرائيليون أبداً، فلم تعد معركتهم مع رأي عام عربي وإسلامي لن يكسبوه يوماً، وإنما هم يجدون في استطلاعات أميركية أن غالبية من اليهود الأميركيين الشبان تقول إن إسرائيل لا تعني شيئاً لها، وأنها لا تشعر بالتزام تجاهها. إسرائيل تحولت من بلد ضحايا المحرقة إلى بلد النازيين الجدد الذين يمارسون ما فرّوا منه. [email protected]