يبدو أن الظهور على التلفزيون للتحليل أو إبداء الرأي صار في ليبيا مشروع اغتيال، ولأن من يبدي رأياً أو تحليلاً لن يقف على مسافة متساوية من كل الأطراف آخر الأمر، يصبح هدفاً للانتقام بالقتل أو بالتهديد والتخويف. وتعرض عدد من المحللين والكتاب والمتحدثين الإعلاميين للاغتيال أو التهديد بالقتل في الأشهر الماضية. وكانت آخر حادثة من هذا النوع في أواخر أيار (مايو) الماضي عندما أطلق مسلحون النار على رئيس تحرير صحيفة «برنيق» مفتاح بوزيد بعد مقابلة تلفزيونية اتهم فيها أحد الأطراف بأعمال العنف والاغتيال التي شهدتها مدينة بنغازي. واستهدف عدد من الناطقين باسم مؤسسات الدولة من بينهم مدير مكتب الإعلام بمصلحة الأحول المدنية ببنغازي بعد كشفه عبر إحدى الإذاعات المحلية لتجاوزات بالمصلحة، إذ اختطف وتعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه. واختطف مسلحون مدير مكتب الإعلام بمصرف ليبيا المركزي، فيما هدد آخرون متحدثاً إعلامياً سابقا لمديرية أمن بنغازي بالقتل بعد استضافته في إحدى القنوات الفضائية. فيما اغتيلت الناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص بعد ظهورها على التلفزيون بعيار ناري في منزلها. ويجزم الصحافي علي القماطي بأن «تردي الأوضاع الأمنية يمنع العاملين في المهنة من الحصول ليس فقط على المعلومة بل أيضاً على التحليل والرأي، ويعتقد أن الإدلاء بتصريحات قد يعرض أصحابها للخطر». ويضيف القماطي: «قلما نجد أطرافاً محايدة، لا تتبنى أراء، وتكتفي فقط بالتعليق والتحليل». ويؤكد الصحافي عبدالعزيز الوصلي أن «الأوضاع الأمنية السيئة والتهديدات المباشرة وغير المباشرة التي وصلت حد الاغتيال، وإن كانت لأسباب غير معلنة، حدت من عملنا كصحافيين في ليبيا». ولمواجهة هذه المشكلة يستند الوصلي إلى «القبيلة والعرف والمعارف الشخصية» للعمل وحماية نفسه، كما أنه أصبح يبتعد عن المواجهة المباشرة «لأننا نعيش في بلاد لا قانون يحمينا فيها»، مشيراً إلى أنه كصحافي «في بلد ينتشر فيه السلاح ويغيب فيه القانون أشعر دائماً بالخطر، حتى من مجرد تناول المواضيع الرياضية وليس السياسية فقط»، معتبراً أن «فشل كثير من المؤسسات الإعلامية في خلق التوعية لدى الجمهور ساهم في تعميق الإشكال الذي ينبع أساسا من قلة الوعي». وسجل المركز الليبي لحرية الصحافة أكثر من 42 حالة انتهاك جسيمة بحق صحافيين وإعلاميين، واعتداءات على مؤسسات إعلامية وصحافية العام الماضي. وأحصى في تقرير، اغتيال خمسة صحافيين، وعدد كبير من محاولات الاغتيال، فضلاً عن الاختطاف والتعذيب والتهديد بالقتل. وبحسب المركز، فإن مدينة درنة شرق ليبيا «تعد من أخطر بؤر التوتر للعمل الصحافي بسبب سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة عليها، وأغلقت الإذاعة المحلية في المدينة وتوقف فيها النشاط الإعلامي والثقافي بعد تزايد الاعتداءات». ويقول القماطي إن «الخطر على الصحافي لا يمكن أن يعمم أو يقال عنه ظاهرة، لأن الأساس في الصحافي المهني الحياد، والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف»، مؤكداً أن «المهني لن يضطر لإقحام نفسه في حسابات وتصفيات أيديولوجية وشخصية إذا التزم الحياد والموضوعية». وينتقد «رداءة الخطاب» الذي تنتهجه بعض المؤسسات الإعلامية، واصفاً إياه بأنه «خطاب تأجيج أكثر منه خطاب توعية وإصلاح». ويرى الكاتب والصحافي هشام الشلوي أن «الفوضى التي تعيشها البلاد أدت إلى نشوء ما يمكن تسميته بالإعلام غير المسؤول، الإعلام الليبي حالياً ينحاز بشكل صارخ لتوجهات سياسية قائمة على رأس مال سياسي هو على الأكثر فاسد». ويوضح أن «غياب رؤى موازية في عالم السياسة والاقتصاد والأمن، تسبب في عدم وجود رؤى ناضجة للإعلام"،فيما لا يرى الشلوي أن هنا عملاً ممنهجاً يتقصد ملاحقة الصحافيين أو التضييق على حريات الإعلام، «بل هناك غياب للتشريع، وافتقار إلى العدالة، وانعدام مؤسسات الأمن الجيدة». ويعتقد أنه «لا خطر على حرية الإعلام سوى من الجماعات المسلحة، التي قد ترى هذه الحرية خطراً على ممارساتها النزقة».