لن يترتب تدخل عسكري خارجي على مجزرة الحولة المرتكبة في 25 أيار (مايو)، كما يشتهي المجلس الوطني السوري. لكنها تساهم في تقويض مكانة حكومة دمشق. وإعلان مجلس الأمن في اجتماعه الطارئ لم يحمّل مسؤولية مقتل 108 أشخاص (49 منهم أطفال) للحكومة تحميلاً مباشراً، لكنه ربط بين المجزرة و «قصف الجيش السوري المدفعي المتسلسل على منطقة سكنية». وتوسل الصيغة هذه لإرضاء موسكو المنحازة إلى نظام بشار الأسد والتي تواصل تزويده بالسلاح. لكن نص الإعلان يندد بانتهاك القانون الدولي والتزامات الحكومة السورية، ويطالب الحكومة هذه بوقف استخدام الأسلحة الثقيلة في المراكز السكنية. وإثر خروجهم من الاجتماع - وخلاله قدم الجنرال مور، رئيس بعثة المراقبين الأمميين في سورية، عرضاً للوقائع- لم يتستر قادة الدول الأوروبية على مواقفهم، ولم يخففوا نبرتها. فأعلن السفير الألماني أن المجزرة تحمل بصمات الحكومة السورية من غير لبس. «وما سمعناه في الاجتماع يظهر أن الحكومة السورية أخلت بمسؤولية حماية المدنيين واستهدفتهم عمداً بالأسلحة الثقيلة»، قال مساعد ممثل فرنسا لدى الأممالمتحدة، مارتان بريان. ونسبت حكومة دمشق المجزرة إلى «العصابات الإرهابية المسلحة»، والمجزرة هذه تزيد العزلة الدولية لسورية. وفي غياب تحقيق مستقل، من العسير معرفة ما حصل في الحولة على وجه الدقة بين حمص وحماة. فالقصف أودى بحياة 33 شخصاً. وبحسب الروايات يبدو أن الجيش السوري قصف تظاهرة مناوئة للنظام صباح المجزرة. ورد «الجيش السوري الحر» المتمركز في وسط الحولة على القصف، وهاجم مركزين عسكريين. فثار غضب ميليشيا الشبيحة الموالية للنظام، وذبحت بالسلاح الأبيض المدنيين والأطفال. وعملية الانتقام الواسعة هذه هي مرآة عجز الجهاز القمعي السوري عن وقف حركة الاحتجاج، سواء كانت سلمية أم مسلحة، على رغم عدم تراجع قدرته على القتل. وثمة تفسير آخر للعنف في الحولة، فهو كذلك رد على هجمات ناجحة للجيش السوري الحر ألحقت بالنظام ضربات موجعة. ففي دمشق نفذ عملية تسميم قيادات عالية قد تكون تكللت بالنجاح وأودت بحياة عدد منهم. ويدور الكلام على أن آصف شوكت، صهر الرئيس الأسد، في عدادهم. وفي الرستن، معقل المعارضة على بُعد 20 كيلومتراً من الحولة، صدّ الجيش الحر هجمات النظام. ويبدو أن الجيش السوري الحر ليس قادراً على اختراق القيادات العليا السورية فحسب، بل هو قادر على إلحاق خسائر كبيرة في صفوف القوى النظامية إثر حيازته صواريخ مضادة للدبابات يرجح أن دولاً عربية مدته بها. وعلى رغم تعاظم وتيرة التمرد المسلح، لم تفتر التظاهرات السلمية. وثمة حادثة لا يستهان بأهميتها وقعت أثناء مجزرة الحولة في 25 أيار الماضي: انضمام حلب، ثاني أكبر مدينة في سورية، إلى سلسلة التظاهرات الحاشدة التي تعم المدن والبلدات السورية. وطوال وقت طويل، دارت التظاهرات في حلب وراء أسوار الحرم الجامعي، وتظاهرات يوم الجمعة 25 أيار كانت الأكبر منذ بدء الثورة في آذار (مارس) 2011. وانضمام حلب إلى الثورة ربما هو وراء شن المروحيات العسكرية هجمات على بلدات كردية واقعة بين حلب والحدود التركية. فالنظام يخشى بروز منطقة «محررة» شمال سورية تجمع إدلب وحلب وتكون منصة لتدخل عسكري كما حصل في بنغازي. وثمة مصدر خطر ثالث يتهدد النظام: المجموعات «الجهادية» التي رفعت وتيرة استهداف أجهزة الاستخبارات والضباط. وأمام التظاهرات الضخمة وهجمات «الجيش السوري الحر» التي تحاكي حرب العصابات، والهجمات الإرهابية، يشعر النظام بأن الأمور تخرج عن طوعه. وقد يستنتج أن جولات المراقبين الأمميين أججت الاحتجاجات السلمية والمسلحة، فيسعى إلى وضع حد لها ليتحرر من قيدها. * مراسلان، عن «لوموند» الفرنسية، 29/5/2012، إعداد منال نحاس