قبل هنيهة من اندلاع الآثار الضخمة للتفاعل بين الشباب العرب والوسائط الإلكترونية الإفتراضية، كما ظهر في «ثورة الياسمين» و «الربيع العربي»، تحرّكت الباحثة الإماراتية الدكتورة فوزية عبدالله آل علي، لتقصي هذا البعد المعاصر في المجمتعات العربية. وأعدّت دراسة ميدانية عن الآثار الاجتماعية والنفسية للإنترنت على الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة في غرّة العام 2010. ولعلها من الدراسات القليلة عربياً التي لمست ظاهرة «إدمان الإنترنت» Internet Addiction بصورة مباشرة وعلمية، بين شباب الإمارات. وآل علي من مواليد دبي، وحازت على ليسانس في التاريخ من جامعة القاهرة في 1977، ونالت دكتوراة في الإعلام من الولاياتالمتحدة. وتعمل حاضراً في كلية الاتصال في جامعة الشارقة. وللدكتورة آل علي عدد كبير من البحوث تشمل «برامج المرأة في إذاعة دولة الإمارات»، و «بحوث الاتصال برامج المرأة في محطات الراديو»، و «تعرض الأحداث الجانحين لبرامج التلفزيون»، و «الطفل في إعلانات تلفزيون دولة الإمارات»، و «عادات وأنماط تعرض الطفل الإماراتي والأميركي لبرامج التلفزيون»، و«عادات وأنماط مشاهدة القنوات الفضائية»، و«دراسات في الإعلام الفضائي» وغيرها. ثورات متداخلة استهلت آل علي دراستها، التي نشرتها مجلة «كلمة» المتخصّصة بالفلسفة والبحوث المعمّقة، بالإشارة إلى ان المجتمعات المعاصرة تعايش 3 ثورات متداخلة هي: المعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة والكومبيوتر والأجهزة الذكيّة. وتحدّثت عن شبه إجماع لدى الاختصاصيين على النظر إلى شبكة المعلومات الدولية (=الإنترنت)، باعتبارها أهم إنجاز تقني معاصر، نظراً لقدرتها على إلغاء المسافات واختصار الزمن، وتقليص العالم الى شاشة إلكترونية صغيرة. ومع الإنترنت، أصبح الاتصال الإلكتروني وتبادل الأخبار ونقل المعلومات من الحقائق الملموسة التي تمثّل أحد المقوّمات الأساسية للنمو اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً في المجتمعات كافة. تأسيساً على هذه المعطيات، صاغت آل علي الموضوع الأساسي لدراستها الميدانية، فرأته في تقصّي الآثار النفسية للإنترنت على طلبة كلية الاتصال في جامعة الشارقة. ولعلها التفاتة جريئة أن يُدرس أثر لوسيط إعلامي على قطاع إنساني يكوّن معرفته في هذا الوسيط، بمعنى أن الدراسة سألت طلبة الاتصال عن الآثار النفسية للوسيط في الاتصال! ورصدت آل علي الآثار النفسية لشبكة الإنترنت على طلبتها، عبر مؤشّرات شملت عدد الساعات التي يقضيها الطلبة على الإنترنت، وعدد الذين يملكون صفحة إلكترونية على الإنترنت، النطاق الذي يُسمح به بدخول الإنترنت الى الجامعة، أهمية الإنترنت في حياة الطلاب، التطبيقات المتنوّعة للشبكة الدولية للمعلومات، الآثار الإجتماعية للإنترنت، والآثار النفسية لشبكة «الويب» وغيرها. إتّبعت آل علي منهج المسح الميداني المباشر، على عينة تكوّنت من 202 من طلاب وطالبات جامعة الشارقة. وتوزّعت العيّنة على الذكور والإناث بالتساوي. وبعد توزيع الاستبيان المتّصل بالعيّنة، تقلّص العدد إلى 192 شخصاً، 95 من الذكور و97 من الإناث. وراجعت الباحثة آل علي الدراسات التي أجريت في السابق عن هذه المسألة. وتوصّلت الى تكوين خلفية من المعلومات عن موضوع الدراسة. وتبيّن لديها طغيان عنصر الشباب (بين 19 و29 سنة)، على جمهور الإنترنت، وارتفاع نسبة العُزّاب بينهم (87.1 في المئة)، وإقرار المستخدمين بآثار اجتماعية سلبية، خصوصاً بالنسبة الى الأسرة (51 في المئة)، واندفاع الطالبات لمتابعة ما تقدّمه الشبكة، يليها اهتمامهن بالمواد العلمية والطرائف، ثم القصص والمواد الأدبية. وكذلك توضح لدى الباحثة مدى غزو الإنترنت للحياة الأكاديمية والعلمية، إذ باتت ركناً رئيساً فيها. خلاصات اجتماعية وأظهرت الدراسة أن أكثر فئة عمرية في استخدام الإنترنت تتمثّل في من تتراوح أعمارهم بين 19 و29 سنة، وأعلى تأثير لهذه الشبكة يتمثّل في السنة الجامعية الأولى (56.7 في المئة)، وتصبح صفة استخدامها ثابتة عند قرابة 60 في المئة من جمهورها، ويتراوح استعمالها بين 3 و4 ساعات يومياً، وهي فترة زمنية طويلة نسبياً، ما يجعلها تؤثر في مجمل نشاطات الطالب الجامعي، بل مجمل تحصيله دراسياً. ولاحظت دراسة الباحثة آل علي أن الطلبة يميلون للجلوس الى الإنترنت في ساعات متأخّرة من الليل (52 في المئة)، ما يؤثر في نشاطاتهم (ذكوراً وإناثاً بالتساوي) في اليوم الجامعي التالي. وأثبتت ميلاً للاستخدام المُفرد للإنترنت (57.2 في المئة)، ما يترجم بالميل الى الخصوصية أثناء الاتصال الإلكتروني عبر «الويب». وأقرّت نسبة تقارب ال40 في المئة بأنها تتبادل الرأي مع الأصدقاء عبر الإنترنت، ما يعني ميل الغالبية إلى عدم التبادل مع الأصدقاء، بل التشبّث بالخصوصية حتى في تبادل الآراء. وكشفت الدراسة ميلاً لدى الذكور لارتياد مواقع الأفلام (30 في المئة)، وتليها الأغاني (29 في المئة)، والرياضة (26 في المئة). وأقرّ معظم الذكور بأنهم يدخلون مواقع «ممنوعة»، فيما تدنّت النسبة نفسها لدى الفتيات إلى 15.6 في المئة. وعلّقت الباحثة بأن هذا الأمر ربما يعكس ميلاً أكبر لدى الفتيات الى التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمعات العربية. وفي منحىً مُقلِق، استطاعت الدراسة إثبات علاقة بين شبكة الإنترنت والعُزلة عن الأسرة (36.4 في المئة). كما لمست ظاهرة «إدمان الإنترنت» Internet Addiction، إضافة الى تسبّبها بشعور بالقلق (13.2 في المئة). ولاحظت أن 44.2 في المئة من الشباب واعون حقيقة أن المضامين المتداولة عبر الإنترنت تؤثّر سلباً في العلاقة الأسريّة. وكشفت أن 66.2 في المئة من شباب الإنترنت اعتبروا أن المضامين المستخدمة على الإنترنت لا تؤثّر في دور الأخت والأم والمرأة عموماً، بمعنى أن ما شاهده شباب الإمارات مشاهد إباحية على الإنترنت لم يغيّر نظرتهم الى الأنثى في مجتمعاتهم، ما يدل على عمق البعد الثقافي لدى هذه الفئة. وثبت من الدراسة أن أكثر الأسباب شيوعاً في استخدام الإنترنت يتمثّل في الاستماع الى الأغاني (46.8 في المئة) يليه الترفيه (35.9 في المئة). ولعل هذا المعطى يدفع الى إعادة طرح السؤال عن كيفية التعامل مع مسألة تشارك الجمهور في ملفات الموسيقى والأفلام والمواد المتعددة الوسائط، خصوصاً لجهة حق الجمهور في الوصول إلى هذه المواد أيضاً. وفي منحى يصعب العثور عليه في دراسات عربية كثيرة، رصدت هذه الدراسة قبولاً من شباب الإمارات للحصول على موافقة الوالدين لاستخدام الإنترنت (60.9 في المئة)، بل رأى كثيرون منهم (46.8 في المئة) ضرورة أن يتابع الآباء أبناءهم أثناء استخدام الإنترنت، ما يؤكّد تعمق قيم الأسرة وأخلاقياتها لدى شباب الإمارات. ولعل هذا لا يتعارض مع تحديد الدراسة أن أبرز إيجابيات الإنترنت إجتماعياً تتمثّل في الهروب من المشاكل (58.3 في المئة) ويليها الترفيه والتسلية (52 في المئة)، والتواصل مع الأصدقاء (41.6 في المئة). وخلصت الباحثة آل علي إلى توصيات متنوّعة أبرزها ضرورة رفع الوعي لدى الأسر العربية بالمخاطر الاجتماعية والنفسية للإنترنت، خصوصاً لفت نظر هذه الأسر إلى النسبة المرتفعة من الشباب التي تكاد تُدمن الإنترنت هروباً من مشاكلها، ما يعني أن الأسرة لا تعرف معاناة شبابها بصورة كافية، أو أنها لا تجيد التعامل معها. وحثّت الباحثة الأسر على الحوار مع الشباب بشأن الاستخدامات الواسعة للإنترنت، كي لا تتحوّل شبكة المعلومات الدولية الى مجرد «غرف دردشة» للوصول الى الجنس الآخر، مع الإشارة الى أن هذا الاستخدام شكّل (46.8 في المئة) من استعمال الشباب لشبكة ال «ويب». واختتمت الباحثة بالتوصية بفرض رقابة متواصلة من جانب الأسرة على استخدام الأبناء للإنترنت، خصوصاً أن 88.2 في المئة من الذكور يستعمل الإنترنت للوصول الى مواقع إباحية ممنوعة.