اعتبر مثقفون الحملة التي تعرضت لها الكاتبة السعودية بدرية البشر، في جامعة قطر وفي مواقع «التواصل الاجتماعي» أنها تنم عن جهل أدبي وفكري، لكون ما ورد في الرواية «كلام إحدى شخصيات الرواية كتبتها بضمير المتكلم!»، كما قال الكاتب عبد الله آل ملحم، الذي أضاف أن رواية «هند والعسكر» «ضعيفة فنياً»، مشيراً إلى أن ما كتبته البشر في روايتها «كان حكياً لطفلة تروي تصوراتها ليس إلا، والشخصية الروائية يخرج خطابها وفق ما يلائم تكوينها الثقافي، وهل نريد من الطفلة أن تحكي تصوراتها بأسلوب كبيرة؟!». ولفت آل ملحم في صفحته في «تويتر» إلى أن ما ورد في الرواية «هو واقع القدر المتخيل لشخصياتها وفق تكوينهم الثقافي، ففي كتب ابن قدامة وابن القيم وغيرهما من السلف ما يفوق ما كتبته بدرية البشر من البوح الجنسي!»، مضيفاً أن الرواية «عمل تخيلي، العالم فيها يتكلم بكلام العلماء والفاسق بكلام الفساق، وقد تكون نص مسلسل أحداثه وشخصياته متخيلة، لماذا نتقبلها متلفزة ونرفضها مكتوبة؟!». ووصف الدكتور صالح زياد، ما قام به بعض المغردين بخصوص رواية البشر، بالجهل «بالأدب ولغته». وأوضح ل«الحياة» أن «الأدب لغة رمزية وتمثيلية للواقع، ولا تؤخذ مأخذاً حرفياً. الذين يطالبون أن يكون هناك أدب مطابق للمثاليات الخالصة في أذهانهم يتناسون أنه لا واقع إنسانياً يخلص للخير والمثالية المطلقة بأي مقياس. كأنهم، والحال هذه، يطالبون الأدب أن يَكْذب والأدب الكاذب، لو فكرنا، هو المضر والمفسد، وهو الذي ينبغي أن نقف ضده، لأنه أدب يزيف الوعي بالتجربة الإنسانية والوقائع الاجتماعية ويضلل وعينا بالحياة». وقال زياد: «ولو كان الأدب يؤخذ بمقاييسهم الزائفة لما وصلت إلينا أشعار القدامى وقصصهم ومؤلفاتهم، فلم نقرأ امرأ القيس وأبا نواس والمتنبي، ولم نقرأ المقامات ولسان العرب وكتب الجاحظ والأصفهاني... إلخ. ويبدو لي أن المسافة بين السكين الصدئة للأمِّي الذي أراد أن يغتال نجيب محفوظ وهو لم يقرأ قصة من قصصه، وبين ما يشبهها من سكاكين المصادرة للكتب وإلغاء الأمسيات واحدة. وهي مسافة تبرهن على استخدام المنع وأحياناً العنف للدلالة على القوة الأيديولوجية ومبلغ سلطتها ونفوذها، وللإعلان عن ذاتها عبر تجريم غيرها والطعن في هويته الثقافية الاجتماعية». وقال الروائي عبدالواحد الأنصاري إن كل كاتب «قد يتعرض للاجتزاء من كلامه، خصوصاً إذا كان له خصوم متربصون به، لكن على الكاتبة بدرية أن تبين ما إذا كانت العبارة التي أثارت الجمهور ضدها - وهذا ما أخاله - مستلة من مونولوج شخصية لا تمثل الكاتبة بالضرورة أو العكس. لا لشيء إلا لإزالة اللبس عن القارئ العادي الذي قد لا يكون بحرفية قارئ السرد». يذكر أن «تغريدات» أطلقها مغرودون في «تويتر» تسببت في إلغاء محاضرة للزميلة الكاتبة بدرية البشر، كان يفترض أن تلقيها في جامعة قطر. وانقسم «المتوترون» إلى «هاش تاقين» ، أحدهما مع البشر، وآخر ضدها وذهبوا في تراشق بالتغريدات. وكتب الفريق الذي يقف ضد صاحبة «هند والعسكر»، مقاطع من الرواية، اعتبروها تتطاول على بعض المسلمات. بينما استنكر الفريق الآخر هذا الموقف من قطر تحديداً، التي استقبلت في الأمس القريب، «رسام الكاريكاتور الذي أساء للنبي بمناسبة يوم الحرية الصحافية الدولي»، مؤكدين في تغريداتهم أن هؤلاء لا يفهمون ما هي الرواية وتقنيات النص الأدبي. وفي السياق نفسه قالت الكاتبة بدرية البشر في صفحتها على «تويتر»: «كل من هاجمني لم يقرأ الرواية، وهؤلاء أناس يُقرأ لهم، وإن الذين لا يفهمون رواية «هند والعسكر» يذكروني بكبيرة السن التي كانت تتغطى عندما تشاهد مذيعاً في التلفزيون. سقط حاجز الخيال فعاشته واقعاً، صحيح أن كبيرة السن لديها حياء وهذا من حقها، لكن لا تستطيع أن تفرض علينا حقيقة أن هذا الرجل في التلفزيون وليس في الواقع». وكتبت البشر أيضاً: «في السوق الحرة بدبي وجدت كتاب «لماذا يحب الرجال العاهرات؟» وهو كتاب يباع للناس، وتمنع محاضرتي عن أخلاق الإعلام الجديدة؟!». وقالت: «إن هذه الحملة من قوى ظلامية ولا تمثل إلا مجموعة من المتطرفين والغوغائيين». وهذا الوصف أثار عدداً من طلاب جامعة قطر، فأصدروا بياناً آخر يستنكرون ما وصفتهم به الكاتبة بدرية البشر، وأن رفضهم لمحاضرتها كونها «مست أصول الدين». وطالبوها أن «تسلك مسلك الأخلاق في التعامل مع من يخالفها في تعاملها مع وسائل الإعلام الجديدة، بدل أن تكيل التهم جزافاً ضد كل من يخالفها باتهامهم بالغوغائية وغير ذلك»، مؤكدين أن هذا البيان «لتوضيح أن الاستنكار كان من أهل قطر ولم يكن من غيرهم».