في العقد الأخير ستظل مجزرة «الحولة» جرحاً رهيباً في خاصرة وطن عربي استطعم «الجراح» واستعذب صراخ الأحرار، وفقد مع الزمن النخوة والشهامة والفزعة والضمير الحي التي أوجعتنا بها «كُتُب التاريخ» لكنها - ويا للخيبة - لم تتجاوز من ذاك الزمن حبر وحاجز الورق، ولم تعد «يا» النداء للعرب مجدية لأن العين مشغولة بمتابعة ما تبقى من مسلسل السهرة، وتنتظر ما تجود به قنوات آخر الليل من اللقطات التي تترك المواطن العربي أكثر مواطن على ظهر البسيطة يحن للتمدد ويستحلب الضعف من ثدي الأزمات، ولأن عين العربي «زائغة/ مائلة» فعلى الشعب السوري أن يصمد ويصبر ويحذف بالكلية العين التي مالت وانكسرت في المنادى الدائم ليصيح يا «رَب». عن الوطن العربي ومواطنه تقفز إلى ذهني مقولة الأميركي مارتن لوثر «لن يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً»، ولكم أن تلتقطوا رياضياً! كم هي زوايا الانحناء وحدّتها وانفراجها، من دون حاجة للمرور إلى ما هو أعنف في السطر الأبرز من قصة الخذلان والتخاذل «سطر الظَهرِ والركوب». الكتابة عن هذا الجرح والمجزرة أشبه بسكب حبر أحمر على ورق أسود، أو - بشيء من التفاؤل المُرّ - نثر جريء متأخر للملح على الجراح الطرية، ولكم أيضاً أن تفسروا التأخر في استعراض الجرح لأن الصمت في شيء من الفواجع أبلغ من كل العبارات والجمل، وتأخذنا الدموع في مثل هذه المجازر لمساحة تفكير قاتلة وحالات إحباط يندر أن تحدث. الشجب العربي والاستنكار الرديف لغة رديئة وهزيلة، وكأن لغتنا العربية عاجزة عن إيجاد ما هو أشجع من هاتين الكلمتين اللتين أراهما أقرب ما يكونان للفضيحة من أي شيء آخر، اللغة غير عاجزة على الإطلاق لكن العقول العربية بالغة العجز في الحضور شجاعة صارمة إلى أي مشهد ونزيف يخصها. ما يحزن ويُدخِلُ الشك في جذور العربي أن الغرب تفاعل مع المجزرة واحتقن من المشاهد الموجعة في «الحولة» طارداً سفراء النظام السوري الرديء والعفن ليسجل حضوراً لافتاً، ويوقع رد فعل شجاعاً ومقدراً ممَنْ لم يتماس مباشرة مع الفضيحة، نحن نتقاطع في الدين واللغة وسحنات الوجوه، والجغرافيا المتشابهة، والتاريخ المتقاطع، لكن حبالنا الصوتية أضعف ما تكون إلا حينما نغني، وعقولنا متصلبة باستثناء عندما نريد أن نبرر، وأجسادنا جبانة شريطة أن نطمسها في مشاريع الرقص. أعترف قبل المغادرة بأنموذج العاطفة الذي نملكه، وأعترف أكثر بأن الحماسة تصاحب اشتعال الجراح لبضعة أيام، قد تكون الحماسة تحت اندفاع غير منظم وعشوائي، وقد يقدمها أفراد بالنيابة عن جماعة، إنما العاطفة وحدها لا تصنع شيئاً، فهي تتحرك لدينا - في الغالب - بلا عقل، والعقل يتورط كثيراً بالعاطفة المنفلتة، الرؤوس العاقلة الكبيرة هي من تصنع الوجود في الأحداث، ومواقف التاريخ، وسأتوقف لأني أريد أن تحسبوا - يا عَرَب - كم عاقلاً كبيراً لدينا؟ [email protected] alialqassmi@