اطلعت على حالة تقول صاحبتها: «تزوجت، وكانت حياتنا الزوجية تسير بين شد وجذب وبين لحظات الصفاء والاتفاق ولحظات الاختلاف. استقرت الأمور مع العشرة وبمرور السنوات العشر أنجبت أبنائي الأربعة، لا أبالغ إن قلت كنا في المرتبة الأولى من حياة زوجي واهتماماته، وكل ما نطلبه ينفّذ في الحال، ولم يبخل علينا بشيء أبداً، ولكن في السنة الأخيرة قبل طلب الانفصال عنه بدأت أشعر بتغيّر حاله وابتعاده غير المبرر عنا، فلم يعد يخصص أوقاتاً للجلوس معنا والاهتمام بأوضاع أبنائه الصحية والدراسية كما في السابق، قلت لعله روتين الحياة والملل بدأ يتسرب فطلبت منه السفر لوحدنا ولو لمدة قصيرة. رفض وتحجج بانشغاله وضغوط العمل فتعجبت! فعمله لم يتغير منذ سنوات، وهو بنفسه كان يردد باستمرار لا جديد سوى تغيّر كمية عدد المعاملات والمراجعين يومياً. مرت الأيام ولم يصارحني بسبب ابتعاده. احترمت صمته وإن كان مؤثراً علينا. بالمصادفة اكتشفت خيانته المتعددة. صارحته: فلم ينكر ولم يبدِ مبرراً أو سبباً! خرجت بعد هذا الموقف الذي حطم العديد من الأمور الجميلة بداخلي متجهة لبيت أهلي وتركت الأبناء معه لعل قلبه يلين ويشعر بجدية الأمر وتأثيره، ولكن ما حدث لم أكن أتوقعه أبداً. توقعت اعتذاره وندمه أو محاولة تجاوز الخلاف على الأقل، ولكن ذلك لم يحدث فقد طلّق وأرسل بورقة الطلاق مع أبنائه بكل برود. انعكس هذا الأمر بالسلب عليّ وعلى أبنائي. أصبحت مهملة في حقهم، لا أهتم بمتطلباتهم وأسئلتهم المتكررة عن أبيهم، وأرى فيهم نماذج مصغرة منه، بل كنت أقوم بحبسهم في الغرفة ومنع الأكل واللعب عنهم إلا بإذني وانخفض مستوى ابني وابنتي الدراسي ولم أبالِ، وكنت أمنع والدهم من رؤيتهم رغبة مني في الانتقام منه وحرمانه منهم... وكان في بداية الأمر يرسل مصروفاً شهرياً لهم، ولكن بمرور الشهور انقطع المصروف! كنت أعلم أن ليس لهم ذنب بالأمر، ولكن شيئاً كان يدفعني لعمل ذلك. لم أستطع تجاوز كل تلك المرحلة المؤلمة وكيف انتهى كل شيء بيننا هكذا، وما زاد الطين بلة نظرات المجتمع من حولي بالشفقة عليّ وعلى أبنائي والحوارات التي تتناقلها الألسن عن قصة انفصالي وكأن الخصوصية ألغيت بالنسبة لهم». أوضحت لها في البداية أن اتخاذ القرارات بعد حدوث المشكلة غالباً ما يكون قراراً غير مناسب، فالمشكلة لا تعالج بمشكلة، كان عليك التريث وعدم الاستعجال بالخروج من المنزل لعلكما تتجاوزان الأمر سوياً، خصوصاً مع وجود الأبناء، وعموماً الآن وضعك ووضع أبنائك لا يسر، فهم يدفعون ثمناً ليس لهم أي يد به، والحلول ما زالت بيدك لا بد من تجاوز ونسيان كل ما مضى وعدم الالتفات إلى كلام المجتمع، فأنت من تقرر كيف تكون حياتك بشكل إيجابي وليس المجتمع، تحتاجين إلى وقفة جادة مع نفسك لمصلحتك ولمصلحة أبنائك، فالحياة لا تزال أمامكم وحصول الانفصال بين الطرفين ليس نهاية الحياة، بل مجرد تجربة ودرس من دروس الحياة لمستقبل أفضل وأجمل وفترة لإعادة التوازن النفسي، وهناك حالات مثالية وناجحة لحصول الانفصال، خصوصاً حينما يعي الطرفان ما لهما وما عليهما، والخير يكون للزوجين معاً بعد الطلاق حين لا يبقى إلا هو، مصداقاً لقول سبحانه وتعالى: «وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً» (سورة النساء130). أما ما يخص مسألة الزيارة والرؤية فعليك تقديم مصلحتهم على جميع خلافاتكما، وأن تدركي أن حق الزيارة والرؤية حق شرعي وقانوني مقرر لمصحة الأبناء وأبيهم، فلا يزال يملك هذا الحق وإن تنازل عن الحضانة لصالحك، بل قد يحسب هذا الإهمال والحرمان ضدك بحيث يثبت الزوج وجود الضرر على الأبناء فتسقط الحضانة عنك بالنظر لمصلحة المحضون (الأبناء). أما مسألة النفقة فيحق لك رفع دعوى لمطالبته بالنفقة السابقة المتأخرة والقادمة وإلزامه بها، وتدخل في دعوى تقدير النفقة «أجرة المثل من مأكل ومشرب وتعليم وملبس وعلاج وسكنى»، ويحق لك أيضاً المطالبة «بأجرة الرعاية» لقيامك بذلك وهو أمر أقره الفقهاء، وعندما يكبر الأبناء ستزداد مطالبتهم ومصروفاتهم بالتأكيد حينها، فيكون لك الحق في رفع دعوى تسمى «إعادة تقدير النفقة». ختاماً: لا بد أن يكون هناك دور أكثر فاعلية من جانب وزارة الشؤون الاجتماعية للعناية بشؤون المطلقات والأرامل ومن في حكمهن من حيث تقديم الدعم النفسي والإرشاد الأسري والمساندة القانونية لهن، ولا يقتصر الأمر على ضمان اجتماعي زهيد يقدم كل نهاية شهر. * مستشارة قانونية.