في تصريحات غريبة أدلى بها وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر، على هامش مؤتمر اليورو موني، الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي، قال فيها إن نسبة تملك السعوديين للمساكن تبلغ 61 في المئة، معتمداً على تقرير إحصائي قال إنه صدر في 2007، وأشار إلى أن غير تلك الإحصاءات ما هي إلا تخرصات غير تدقيقية، إذ نجد أن النسبة العالمية لتملك المساكن في بعض الدول المتقدمة تصل إلى 65 في المئة، ونحن بعيدون عن هذا الرقم على رغم مثل هذه التصريحات. غريب أن يصدق هذه الأرقام التي لم يعرف عنها إلا هو، ولو كان الرقم صحيحاً لما سمعنا عن أزمة سكن في السعودية وهي بالمناسبة أحد المحاور المهمة التي تم مناقشتها في ذلك الملتقى الاقتصادي، في البدء يبدو أن هناك أزمة معلومة عن نسبة تملك السعوديين للمساكن، فالتقارير الاقتصادية ترجح أن النسبة الدقيقة لتملك المنازل في حدود 38 في المئة، التي أعتقد أنها مرتفعة بعض الشيء، بدليل أن الحكومة أنشأت وزارة للإسكان وأناطت بها إقامة 500 ألف وحدة وضخت 250 بليوناً لإنشاء هذه الوحدات، إضافة إلى الزيادة في قيمة القروض السكنية المقدمة من صندوق التنمية العقارية، وطرح بعض الحلول لتملك المنازل عن طريق الصندوق العقاري. مشكلة تملك المساكن ظاهرة وواضحة وضوح الشمس ومن ينكرها فهو بعيد عن الواقع الذي يعيشه الناس، فقيمة الأراضي السكنية في المملكة تأتي في مرتبة متقدمة عالمياً، كما ذكر تقرير اقتصادي صدر الأسبوع الماضي، إضافة إلى أن هناك أراضي بيضاء غير مستثمرة في مدننا، وسمعنا أكثر من حل للتعاطي مع هذه القضية، مثل فرض ضرائب سنوية عليها، ولكن لم يتم شيء في هذا الموضوع، ما يعني أن قضية احتكار الأراضي موجودة لدينا وأصحاب تلك الأراضي هم من يقف وراء عدم استغلالها في حل مشكلة تملك أراضٍ بها خدمات وقريبة من النطاق العمراني في المدن. البنوك السعودية - مع الأسف - جزء من المشكلة، بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل، إذ نجد النسب العالية للفائدة التي تفرضها على المواطنين في قروض الإسكان، على رغم السيولة المرتفعة التي بحوزتها وعدم وجود ضرائب عليها، ولكن قضية المسؤولية الاجتماعية التي يفترض أن تقدمها لمواطنيها لا نسمع عنها إلا في رعاية مؤتمرات تلمع مكانة تلك البنوك في السوق السعودية، والغريب أن مؤسسة النقد العربي السعودي، الجهة الرسمية الإشرافية على البنوك، لا تتدخل في ممارسة البنوك الجائرة في معدل النسب المرتفعة على قروض السكن، ودائماً ما نسمع أن ذلك بسبب أن السوق السعودية مفتوحة وحرة، لكن نجد في المقابل جهات رسمية أخرى تتدخل في مجالات اقتصادية إذا كان فيها تلاعب واحتكار، كما حدث في قطاعات الحديد والأسمنت والألبان. أعتقد أنه مع معدل الدخول المنخفضة لشريحة كبيرة للمواطنين فإن قضية تملك المسكن ستبقى لفترة طويلة مقبلة، إذ إن هناك علاقة طردية بين مستوى الدخل ونسبة تلك المنازل، خصوصاً مع زيادة التضخم العام بالمملكة، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد حلول لهذه الأزمة، فالتشريعات الخاصة بتنظيم هذا القطاع تحتاج إلى إقرارها وخروجها من أدراج البيروقراطية، فمنذ فترة ليست بالقصيرة ونحن نسمع قرب إقرار نظام الرهن العقاري ولكن لا نعرف لماذا تأخر إقرارها حتى أننا نسيناه، هل هو خوف على انهيار العقار لدينا؟ ما سيضر بمجموعة صغيرة تحتكر الأراضي؟ نأمل من الجهات الرسمية أن تنظم المنح التي تقدم للمواطنين والتي تكون في الغالب في مناطق بعيدة من النطاق العمراني وتحتاج لسنوات طويلة حتى تصلها الخدمات، لذلك نجد أن هذه المنح تباع بأرخص الأسعار من ملاكها، فلو تم تنظيم هذه المنح وأعطيت في مناطق قريبة وداخل المدن وأن يتم وضع شروط قوية لمنع بيعها، وأن يُعطى مالكها فترة محددة لإقامة مسكن عليها. مثل هذه الحلول قد تخفف من مشكلة الإسكان لدينا، إضافة إلى عمل خطط وطنية لتطوير المدن المتوسطة في المملكة ما يشجع الهجرة المعاكسة لتلك المدن ويخفف من الاكتظاظ السكاني في مدننا الكبيرة، إضافة إلى عمل تشريعات سريعة للسماح للتوسع العامودي بدلاً من الامتداد الأفقي في المدن الكبيرة، وذلك بالسماح بزيادة الأدوار السكنية في العمائر والفلل في مناطق تتمتع بالخدمات الضرورية. الغريب أن وزارة الإسكان وهي المسؤولة عن هذا الملف تشتكي من قلة الأراضي، وهذا باعتقادي يثير الاستغراب في بلد مساحته تصل إلى مستوى القارة، فكنا ننتظر أن تقوم وزارة الإسكان بإنشاء مدن سكنية مستقلة متكاملة، ولكن يبدو أن الوزارة كما المواطن البسيط لا تستطيع أن تحصل على أراضٍ لأسباب متعددة. [email protected] akalalakl@