اشتعلت حرب إلكترونية طيلة يوم أمس بعد تأكد الإعادة في الانتخابات الرئاسية بين مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي وآخر رؤساء حكومات الرئيس المخلوع أحمد شفيق، وهي النتيجة التي أصابت الملايين بصدمة عقدت ألسنتهم. الفخ المذهل الذي وجد الناخبون أنفسهم فيه أدَّى في بداية الأمر إلى تبادل الاتهامات، بين تصويب السهام تجاه الأقباط الذين أعطوا أصواتهم لشفيق، وغيرهم من المصريين العاديين من المنتمين إلى «حزب الكنبة» من الباحثين عن الاستقرار وعودة عجلة الإنتاج إلى الدوران. ولأن السهم الموجَّه إلى الأقباط من النوع السام القادر على إشاعة الفتنة، فقد تنبه البعض إلى ذلك وتواترت الدعوات إلى التوقف فوراً عن هذا الهراء، وتم تداول دعوة إلى التوقف عن ابتلاع الطعم بالبدء في مهاجمة الأقباط الذين أعطوا أصواتهم لكل من شفيق وحمدين صباحي وعمرو موسى، مثلهم مثل كل المصريين. وطالبتهم الدعوة نفسها بتحويل دفة الاتهامات إلى كل من باع صوته، أو لم ينزل أصلاً للتصويت تحت شعار «روح كله بأسنانك». وإذا كانت الأسنان البشرية لن تتمكن من قضم من باع صوته أو من احتفظ به لنفسه، فإنها قادرة على الامتناع عن التهام ما يمكن أن يعرض عليها من رشاوى تموينية في جولة الإعادة الساخنة، وهو ما يحاول البعض التجهيز له من الآن من خلال حملات توعية. توعية الناخبين بعدم قبول الرشاوى تواكبها حملات توعية تقف على طرفي نقيض. أنصار جماعة «الإخوان» يعملون على نشر وإرسال قدر هائل من الشعارات التي تساوي بين «المقاطعة ونجاح الفلول». في الوقت نفسه، فإن الداعمين لشفيق يرون كذلك أن المقاطعة تعني نجاح الحكم الديني. الحكم الديني الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى أخف الأمرين بعد وصول شفيق إلى جولة الإعادة جعل البعض يبذل الكثير من الجهد والوقت لتجميع كل ما يمكن تجميعه لترهيب الناخب من التصويت لمرسي. «لو انتخبت مرسي تكون بذلك قد سلمت البرلمان والرئاسة والدستور لمرشد الإخوان. على الأقل شفيق سنتمكن من الضغط عليه، والنزول للميدان لو لم ينفذ مطالبنا. لكن لو فعلنا ذلك في ظل حكم مرسي، فسيتم تكفيرنا لأن الديموقراطية أصلاً حرام». وسواء كانت الديموقراطية حلالاً أم حراماً، فإن أدوات الحشد والتسخين والتبريد الإلكتروني تظل الأقوى في هذه الآونة. أنصار «الإخوان» ومحبوهم تفننوا في تصميم الشعارات التي تدعو صفوف الشعب المصري إلى التوحد تحت راية «مرسي رئيساً لمصر». «حازمون (أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل)، فاتحون (أنصار عبدالمنعم أبو الفتوح)، حمديون (أنصار حمدين صباحي)، 6 أبريل، ثوار، مسلم، مسيحي: مهما كان لونك، مهما كان فكرك، لازم أنا وأنت نكون يد واحدة». وبالفعل أثبت الجميع أنهم يد واحدة، ولكن كل على حدة بالبحث والتنقيب في كل ما قاله وفعله الطرف الآخر من تصريحات يمكن أن تدينه وتثبت كذبه. المعارضون ل «الإخوان» اجتهدوا في تنزيل وتحميل التصريحات السابقة الخاصة بعدم نيتهم السيطرة على مجلس الشعب، وامتناعهم عن الوصول إلى كرسي الرئاسة. والمعارضون لشفيق نزلوا وحملوا صوره وتصريحاته في ظل النظام السابق الذي كان جزءاً منه وهجومه المستمر على الثورة وسخريته منها. ولأن الأمثال الشعبية جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعوب وحالها، فإن حال «فايسبوك» و «تويتر» مصرياً يوم أمس كان أشبه ب «الجائع الذي يحلم بسوق العيش». سوق العيش الذي داعب أحلام وخيالات الكثيرين تأرجح بين تنازل مرسي عن الرئاسة، وبين الضغط على اللجنة العليا للانتخابات لإدخال صباحي في جولة الإعادة. جولة الإعادة دفعت البعض إلى البكاء على أطلال عدم ترشح المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لمنصب الرئاسة، وهو البكاء الذي يجتره الثوريون كلما تعقدت الأمور. ولأن الأمور مرشحة لمزيد من التعقد، فإن شعب «فايسبوك» و «تويتر» مرشح لمزيد من التحميل والتنزيل والبكاء على «أطلال» الثورة.