عندما يقول الشاعر: (أحبك لا تفسير عندي لصبوتي – أفسر ماذا والهوى لا يفسر)، يقترب من قول الآخر: (الحب في الأرض بعض من تخيلنا – لو لم نجده عليها لاخترعناه)، ويحتضن الاثنان دونما موعد وعلى تباعدهما الزمني والفكري مقولة تفلسف الحب، مفادها أن الحب شيء لا نعرف كنهه، وإذا عرفناه عجزنا عن وصفه. والحب من أيام الأسطح ورسائل يوصلها الصغار إلى أيام البريد الإلكتروني، وبينهما دوماً الورد الطبيعي والشموع، بقي على غموضه وحلاوته، وإن تغيّرت تعابيره وتبدلت أساطيره، يغشاه الشباب ويخشاه الشيب، تؤلف له الكتب وتزول من أجله الرتب، يتنفسه الأدب ويتنفس هو العتب. يعتبره البعض مرآة الإنسان يعكس ما بداخله، أو ما يعتلج بداخله، من الجمال، الخيال، والسمو الذي تشيّعه هذه العاطفة إلى درجات ترتقي بإناس، فيحبون ويكتمون إذا لم يسنح الوصال، أو يحبون ويجعلون السنين وإن طالت تنبئ عن دواخلهم، أو تمنح ألسنتهم الإذن بالتعبير، ولا تعينهم أبداً على الوصف والتفسير. مطلب إيماني في العبادة، وإنساني في العادة، جرّبه الكثيرون، وعاش لذته القليلون، وتعريفه ملك إنساني مشاع كالماء والهواء، يحق لكل من عرفه أن يصفه كما يحسه، أو يحسه كما يعرفه، لا تثريب على من أخطأ لغته، او عبّر بلسانه عن مكنون جنانه، أو أومأ برمش عين، أو بسمة ثغر، فلغته يمكن ترجمتها إلى كل لغات البشر، الطيور، الزهر. عادة هو لا يعرف الإنصاف، أسئلته كثيرة، وإجاباته نادرة، مغامراته مثيرة، وجروحها غائرة، يسخر منه الصبيان وتحلم به الصبايا، فإذا ما كبروا، ووقع أي منهم في بحوره، تحلقوا جميعاًَ حول طيف يأتي من إحساسه وأبحروا تجري بهم أشرعته إلى شواطئ قد تكون المرسى فقط، وقد يحدث أن تصبح المرفأ و«الملفى» الروحي. وكما يثاب كاظم الغيظ وقد قدر أن يمضيه، يثاب كاتم الحب، ربما لأن كلاهما يحتوي ناراً في حنايا الأضلع، احتسب أن يكون هو فقط وحده من يحترق فيها. لعلكم تذكرون قصة العجوز التي كلما كبرت تغيّر تعريفها للحب، بدءاًَ من قبلة أبيها وحتى حنان زوجها وجنون وجرأة ابن جيرانها، لتنتهي إلى أنه كل ما مر بها من أحاسيس، تكبر شيئاً فشيئاً، وكأني بها تقول إن كل يوم يمر يضاف إلى أحساسيسه إحساس جديد، فيمكن لكل إنسان الشعور به وفقاً لمجموعة الأحاسيس التي تشكلت لديه، والتي بالتأكيد تختلف عن مجموعة الآخر، حتى حبيبه نفسه، ليكون لكل إنسان حبه أو بصمته الروحية. [email protected]