يدرك مرشحو الرئاسة في مصر، حقيقة أن الشعب المصري هو «شعب مغني من ساسه لراسه»، كما يقال، يغني مختلف أمزحته، من الفرح والحب إلى الحزن والفراق، والاعتراض السياسي أيضاً. فجاء اللعب على مشاعر الجماهير غنائياً، عسى أن يكون الطريق إلى وجدان الناخب ومن ثم صوته. وتأتي أهمية استغلال الفن الغنائي في الماراتون الانتخابي، كون المجتمع المصري يعاني أمّية متفشية، ولعله يغلب العواطف على العقلانية، وهو ما تغذيه تلك الأغاني لتضع المرشح في صورة محببة وقريبة من الناس. وقد انقسمت أغاني الانتخابات إلى نوعين، أولهما يمثل عملاً احترافياً–دعائياً، كأغنية بعنوان «واحد مننا» للملحن أحمد سعد وموجهة إلى المرشح حمدين صباحي، وتستخدم شعار الحملة الانتخابية. والأغنية عبارة عن لازمة تتكرر مع كل «كوبليه»، ويمكن القول إنها لم تأت بجديد: «واحد مننا... أكيد يقدر يسند خطانا ويعرف العنوان». ثم تأتي كلمات بروح شعرية لتقفز أبعد من مجرد عمل دعائي إلى بورتريه عن صباحي، فتقول: «تقدر تقول إن الوطن إنسان، وانت الوطن يشبعك في براءة الاحلام، وفي فرحتك لو سبق، بخطوتين قدام، وفي وقفتك وياه في الثورة على الطغيان، وفي ضحتك للناس، وانت ورا القضبان»، ما يذكر بمواقف صباحي مع الثورة واعتقاله مرات عدة. وصباحي هو المرشح الذي التف حوله عدد كبير من الفنانين والكتّاب، لصلته القوية بهذا الوسط، حتى إنه ظهر في دور بسيط في فيلم «الآخر» ليوسف شاهين، ومثّل شخصيته الواقعية آنذاك كرئيس تحرير جريدة معارِضة. وهناك أغنية أخرى لمصلحة حمدين، كتبها الشاعر جمال بخيت ليعلن تأييده له، ولحّنها ثلاثة ملحنين، هم حمدي رؤوف ومحمد رحيم وأحمد إسماعيل، لتقدم بثلاث صياغات موسيقية. وتقول الكلمات: «صوتي لحمدين صباحي، صوتي للكلمة الحرة، اتقالت مليون مرة، في الثورة وقبل الثورة، كانت تهز رياحي». وحتى المرشح عن «الإخوان المسلمين»، محمد مرسي، له أغنياته، الأولى لمغنٍّ شعبي مغمور اسمه «ميزو كابو»: «بحب محمد مرسي، ابن الشرقية، راجل ميّة ميّة، كله إنسانية، حرية وعدالة، ناس جادة وشغالة على طول رجالة». أما الأغنية الأخرى فلأحد الهواة من محبي المرشح، وتلعب كلماتها على رمز الحملة الانتخابية، أي الميزان: «علشان حلمي وحلم ولادي علم، علم على الميزان، وحلم النهضة يعم بلادي، علم، علم على الميزان». وأثار الإعلان الدعائي للمرشح عبدالمنعم أبو الفتوح أزمة مع ورثة الموسيقار سيد مكاوي، إذ اقتبس الإعلان جزءاً من أوبريت مكاوي–جاهين «الليلة الكبيرة» وبدّلت الكلمات. وصرحت إيناس سيد مكاوي بأنها ترفض المساس بعمل فني يشكل جزءاً من وجدان الشعب المصري في عمل تجاري أو دعائي، حتى لو كان أبو الفتوح مرشحها المفضل. ويرد في الإعلان المأخوذ عن مقطع «يا حضرة الأراجوز» في الأوبريت الشهير: «يا حضرة الفاهم قوللي، رئيسنا يبقى مين... لازم يبقي أمين، في الحق عمره ما يقصّر، وبالغرب عمره ما يتأثر». أما المرشح أحمد شفيق فوزّع أعضاء حملته أسطوانات على المحال التجارية والأكشاك المنتشرة في الشوارع تحمل صورته وكتب عليها «أحمد شفيق رئيساً لمصر»: «البلد دي عاوزه راجل، يكون شهم وكريم»، علماً أن تيمة الرجولة والصلابة هي كلمة السر في حملة شفيق. والأغنية الأكثر تداولاً لشفيق على المواقع الإلكترونية هي لابن المطرب الشعبي الشهير شعبان عبدالرحيم، واسمه عصام، مخالفاً بذلك توجه والده الذي يدعم عمرو موسى منذ كان وزيراً للخارجية في غنوته الشهيرة «بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل». ويقول عصام في أغنيته: «هيملا الساحة إنتاج وسياحة، والحد الأدنى هيجيبه لولانا»، وهي على نمط أغاني «شعبولا» المعروفة. أغانٍ كثيرة صنعت لمساندة مرشحي الرئاسة وانتشرت على «يوتيوب» و«فايسبوك»، فهل تكون الأغنية مفتاحاً لحل «شيفرة» الانتخابات الرئاسية في مصر؟