للمرة الأولى في تاريخ تركيا، ينتخب الشعب الرئيس في اقتراع مباشر اليوم، ما يجعل طعم العملية الانتخابية مختلفاً، خصوصاً مع تعهد المرشح الأوفر حظاً بالفوز، رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، تقوية منصب الرئيس وتفعيله سياسياً لئلا يبقى شرفياً محايداً، ما يمثل تحولاً تاريخياً في تركيا كان سبقه إليه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. وليس مستغرباً رفع الناخبين لافتات وصفت أردوغان بأنه «أعظم قائد سياسي شهدته تركيا منذ تأسيسها»، في تأييد مبكر ل «التحول التاريخي الموعود» الذي يسقِط أسس الجمهورية العلمانية لأتاتورك. وكانت استقالة رئيس تحرير صحيفة «حرييت» أنيس بربر اوغلو لافتة، بعدما انتقد اردوغان التغطية الصحافية لمجموعة «دوغان» الإعلامية التي تملك الصحيفة. وكانت جماعات حقوقية كثيرة أبدت مخاوف من ضغوط حكومية على وسائل الإعلام، ونبهت إلى اتجاه متزايد لإقالة رؤساء تحرير وصحافيين. لكن «حرييت» رفضت هذه المزاعم، ووصفتها ب «سيناريوهات سياسية» مؤكدة أن برير أوغلو «رحل بإرادته، واستقال قبل الانتخابات الرئاسية لتجنب تحميل الاستقالة أي مغزى سياسي». وفيما يثق أردوغان بالفوز بالرئاسة الى درجة أنه بدأ غربلة أسماء وزراء الحكومة الجديدة التي سترث حكومته، ويتوقع أن يرأسها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، يأمل منافسه مرشح المعارضة الأتاتوركية والقومية أكمل الدين إحسان أوغلو، بمفاجأة «أشبه بمعجزة» بالنسبة إلى المراقبين، كونها تحتاج إلى تخلي الجمهور اليساري عن رفضه التصويت له، باعتباره شخصية يمينية، ولو أنقذها ذلك من وصول أردوغان الى القصر الرئاسي. أما المرشح صلاح الدين دميرطاش، فيكتفي بشرف خوض المنافسة الرئاسية كأول سياسي كردي على صلة ب «حزب العمال الكردستاني». وينحصر هدفه في دفع أردوغان الى خوض دورة ثانية سيحتاج فيها الأخير الى أصوات الأكراد، ما يفسح في المجال أمام مفاوضات ومساومات على حل القضية الكردية. ويستنفد الاقتصاد التركي آخر مدخراته في زمن الرخاء، مع تحذير خبراء من سنوات عجاف مقبلة، فيما يزداد الاستقطاب السياسي والطائفي الداخلي الذي يزيد خطراً عن الاستقطاب القديم بين الإسلاميين والعلمانيين. وتبدو الثقة بالقضاء شبه معدومة، مع مواجهة الحكومة مشاكل فساد. ومع اضطرار الرئيس المقبل للتعامل مع كل هذه التحديات، يختار الناخب التركي اليوم بين مشروعين أساسيين: مشروع أردوغان لزيادة صلاحيات الرئيس وتقوية فريقه، والانطلاق أبعد في سياساته الداخلية والخارجية، ومشروع أكمل الدين إحسان أوغلو الذي يصرّ على إبقاء الصلاحيات الرئاسية كي تكون حكَماً بين المؤسسات، ووسيلة لتخفيف التوتر الطائفي والسياسي، وضمان الحفاظ على مصالح الأقليات السياسية أمام الغالبية الحاكمة.